عمر ابن الخطاب ( الفاروق) رضي الله عنه




أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (5) (23 هـ)
عمر بن الخطاب بن نُفَيْل القُرَشي العدويّ، أبو حفص أمير المؤمنين، ثاني الخلفاء الراشدين وأحد المبشرين بالجنة، قفل باب الفتنة. ومناقبه أشهر
__________
(1) أحمد (4/90) والطبراني (4/116/3841). قال الهيثمي في المجمع (7/307-308): "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات وفي بعضهم ضعف". وحسن إسناده الحافظ في الفتح (13/18).
(2) الصارم (ص.10).
(3) ابن عساكر (16/240-241) والشاشي في مسنده (2/93/617) وللحديث طرق وشواهد ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة برقم (1237).
(4) البخاري (7/656/4265).
(5) الإصابة (4/588-591) والحلية (1/38-55) وشذرات الذهب (1/33) والطبقات (3/365-376) وتاريخ الطبري (4/190-227) والعقد الثمين (6/291-305) والتذكرة (1/5-8) وتاريخ خليفة (152-156) والمعرفة والتاريخ (1/455-468) والاستيعاب (3/1144-1159).
من أن تذكر وأكثر من أن تحصر، وفي الأحاديث الصحاح من موافقته التنزيل له وتزكية النبي - صلى الله عليه وسلم - له في وجهه وعز الإسلام بإسلامه نماذج من ذلك.
قال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وقال ابن مسعود رضي الله عنه "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر". (1)
شهد بدرا وبيعة الرضوان وكل مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض، وولي الخلافة بعد أبي بكر، فسار بأحسن سيرة، وفتح الله له الفتوح، واتسعت دائرة الإسلام في خلافته.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر" (2) . وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي". وهو أول من جمع القرآن في الصحف. وهو أول من سن قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان، وقد قال النبي
__________
(1) البخاري (7/51/3684).
(2) أحمد (6/55) ومسلم (4/1864/2398) والترمذي (5/581/3693) وقال: "هذا حديث صحيح".
- صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها ... ". (1) وقال: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر". (2)
قتل يوم الأربعاء من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت مدة خلافته عشر سنين وخمسة أشهر، ودفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصلى عليه صهيب بن سنان.
موقفه من المبتدعة:
- روى ابن عبدالبر في جامع بيان العلم بسنده إلى عبيدالله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: اتقوا الرأي في دينكم. قال سحنون: يعني البدع. (3)
- وروى الهروي في ذم الكلام بسنده إلى سعيد بن المسيب قال: قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس فقال: أيها الناس ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنة أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا إذا سألهم الناس أن يقولوا لا ندري، فعاندوا السنن برأيهم، فضلوا وأضلوا كثيرا، والذي نفس عمر بيده ما قبض الله نبيه ولا رفع الوحي عنهم حتى أغناهم عن الرأي، ولو كان الدين يؤخذ بالرأي، لكان أسفل الخف
__________
(1) أحمد (4/126-127) وأبو داود (5/13-14/4607) والترمذي (5/43-44/2676) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ابن ماجة (1/16-17/43-44) والحاكم (1/95-97) وقال: "هذا حديث صحيح ليس له علة" ووافقه الذهبي.
(2) أحمد (5/382و385و402) والترمذي (5/569/3662) وحسنه. وابن ماجة (1/37/97) والحاكم (3/75) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) جامع بيان العلم وفضله (2/1041-1042) وبنحوه ذكره الشاطبي في الاعتصام (1/134).
أحق بالمسح من ظاهره، فإياك وإياهم ثم إياك وإياهم. (1)
- وعن ابن عمر، عن عمر أنه قال: يا أيها الناس اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيي اجتهادا، ووالله ما آلو عن الحق، وذلك يوم أبي جندل والكفار بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل مكة فقال: اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم. فقالوا: إنا قد صدقناك كما تقول، ولكن تكتب: باسمك اللهم. قال: فرضي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبيت عليهم حتى قال: يا عمر تراني قد رضيت وتأبى؟ قال: فرضيت. (2)
- وعن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة بطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم مد يديه إلى السماء فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني غير مضيع ولا مفرط. ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وضرب بإحدى يديه على الأخرى. ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: (الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة) فإنا قد قرأناها.
__________
(1) ذم الكلام (2/200-طبعة الأنصاري) والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/454).
(2) رواه الطبراني (1/72/82) واللالكائي في أصول الاعتقاد (1/141-142/208) والهروي في ذم الكلام (ص.86) والبيهقي في المدخل (1/198-199/217).
قال مالك: قال يحيى بن سعيد: قال سعيد بن المسيب: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله. قال يحيى: سمعت مالكا يقول: قوله: (الشيخ والشيخة) يعني الثيب والثيبة فارجموهما ألبتة. (1)
- وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قد بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. (2)
- وعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين. (3)
"
التعليق:
لقد نطق الحق على لسان عمر، فما أضاع الإسلام عموما والعقيدة السلفية خصوصا إلا علماء سوء، الذين آثروا الدنيا على الآخرة، وجدال
__________
(1) الموطأ (2/824/10).
(2) البخاري (12/165/6829) ومسلم (3/1317/1691) واللفظ له.
(3) رواه ابن المبارك في الزهد (ص.520) والدارمي في السنن (1/71) وأبو نعيم في الحلية (4/196) وابن بطة في الإبانة (2/3/528/643) وابن عبدالبر في الجامع (2/979).
المنافقين الذين ربما أوتوا شيئا من علم القرآن والسنة، فحرفوا النصوص لتأييد بدعهم، حتى إنني رأيت لعالم معاصر (1) مؤلفا يستدل فيه لبناء القباب على القبور بدفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرة عائشة، فقل لي بربك أليس هذا هو جدال المنافقين، تواترت النصوص بتحريم البناء على القبور، ويأتي منافق في آخر الزمان ويجمع من متشابه النصوص ما يدافع به عن الشرك ومظاهره؟!!

- وروى ابن عبدالبر عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو على المنبر: يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصيبا، لأن الله عز وجل يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف. (2)
"
التعليق:
هكذا كان أمير المؤمنين يحذر من الرأي الباطل، المتكلف الخارج عن الكتاب والسنة، الذي منشؤه الآراء، وقائده الأهواء، وغايته الظنون، وصاحبه مغبون، وهو مسلك كل مفتون، نسأل الله العفو والعافية.

- وروى البخاري عن أنس بن مالك أنه سمع عمر الغد، حين بايع المسلمون أبا بكر، واستوى على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تشهد قبل أبى بكر، فقال: أما بعد، فاختار الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا، ولما هدى الله به
__________
(1) هو أحمد بن الصديق الغماري في كتابه 'إحياء المقبور'.
(2) جامع بيان العلم وفضله (2/1041).
رسوله. (1)
"
التعليق:
هذه الحكم من هذا الإمام تجعل طالب الحق يفرح بها، لأنها منشودته ومطلوبه، فمن لم يطلب الهدى فيما هدى الله به نبيه وصحابته الكرام، فلا هداه الله. وقد صدق الله إذ قال: إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً 
- وعن عمرو بن الأشجع أن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله. (3)
- وعن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن. فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل. فقال: من أنت؟ قال: أنا عبدالله صبيغ، فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه، وقال: أنا عبدالله عمر، فجعل له ضربا حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي. (4)
__________
(1) البخاري (13/305/7269).
(2) الإسراء الآية (9).
(3) سنن الدارمي (1/49) وذم الكلام (ص.68) وجامع بيان العلم وفضله (2/1010) وأصول الاعتقاد (1/139/202) والإبانة (2/4/610/790) والشريعة (1/175/99) والفقيه والمتفقه (1/559-560).
(4) الدارمي (1/54) والإبانة (2/4/609-610/789) واللالكائي (4/702-703/1138) والآجري في الشريعة (1/210/160) وذم الكلام (ص.181). وبنحوه في ما جاء في البدع لابن وضاح (ص.121).
- وعن السائب بن يزيد، قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلا سأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: اللهم مكني منه، فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب فتغدى حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين وَالذَّارِيَاتِ  ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا  (2) (1) فقال عمر: أنت هو ؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم، ثم ليقم خطيبا ثم ليقل إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيدهم. قال أبو حاتم: ولم يقل أبو حفص في حديثه ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم. (2)
"
التعليق:
قال ابن بطة: وعسى الضعيف القلب القليل العلم من الناس إذا سمع هذا الخبر وما فيه من صنيع عمر رضي الله عنه أن يتداخله من ذلك ما لا يعرف وجه المخرج عنه، فيكثر هذا من فعل الإمام الهادي العاقل رحمة الله عليه فيقول: كان جزاء من سأل عن معاني آيات من كتاب الله عز وجل أحب أن يعلم تأويلها أن يوجع ضربا وينفى ويهجر ويشهر؟ وليس الأمر
__________
(1) الذاريات الآيتان (1و2).
(2) الإبانة (1/2/414-415/330) والشريعة (1/210/160). وعزاه الحافظ في الإصابة (5/169) إلى ابن الأنباري وصحح سنده. وزيادة: طلب العلم من الشريعة.
كما يظن من لا علم عنده، ولكن الوجه فيه غير ما ذهب إليه الذاهب؛ وذلك أن الناس كانوا يهاجرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته ويفدون إلى خلفائه من بعد وفاته رحمة الله عليهم ليتفقهوا في دينهم ويزدادوا بصيرة في إيمانهم ويتعلموا علم الفرائض التي فرضها الله عليهم. فلما بلغ عمر رحمه الله قدوم هذا الرجل المدينة وعرف أنه سأل عن متشابه القرآن وعن غير ما يلزمه طلبه مما لا يضره جهله ولا يعود عليه نفعه وإنما كان الواجب عليه حين وفد على إمامه أن يشتغل بعلم الفرائض والواجبات والتفقه في الدين من الحلال والحرام. فلما بلغ عمر رحمه الله أن مسائله غير هذا علم من قبل أن يلقاه أنه رجل بطال القلب خالي الهمة عما افترضه الله عليه مصروف العناية إلى ما لا ينفعه، فلم يأمن عليه أن يشتغل بمتشابه القرآن والتنقير عما لا يهتدي عقله إلى فهمه فيزيغ قلبه فيهلك. فأراد عمر رحمه الله أن يكسره عن ذلك ويذله ويشغله عن المعاودة إلى مثل ذلك. (1)
- عن خالد بن عرفطة قال: كنت عند عمر بن الخطاب، إذ أتى برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس. فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسوس؟ قال: نعم. فضربه بقناة معه، فقال له: ما ذنبي؟ قال فقرأ عليه  الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ
__________
(1) الإبانة (1/2/415-416).
الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ  (3) (1) فقرأها عليه ثلاث مرات وضربه ثلاث ضربات، ثم قال له عمر: أنت الذي انتسخت كتاب دانيال؟ قال: نعم. قال: اذهب فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ولا تقرأه ولا تقرئه أحدا من الناس. (2)
- وروى مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب المنكدر على صلاة بعد العصر. ورواه غيره: فقيل له: أعلى الصلاة؟ فقال: على خلاف السنة. (3)
- وجاء في كتاب البدع لابن وضاح: عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كان يضرب الرجبيين الذين يصومون رجب كله. (4)
- وروى ابن أبي شيبة أيضا: عن أبي عثمان النهدي قال: كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه أن ههنا قوما يجتمعون فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك. فأقبل. وقال عمر للبواب: أعد سوطا. فلما دخلوا على عمر أقبل على أميرهم ضربا بالسوط. فقال: يا أمير المؤمنين [إنا] لسنا أولئك الذين تعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق. (5)
- وروى ابن بطة بسنده إلى الأوزاعي أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: أيها الناس إنه لا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها حسبها هدى ولا
__________
(1) يوسف الآيات (1-3).
(2) رواه ابن أبي حاتم في التفسير (7/2100/11324) وذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/41-42).
(3) مالك في الموطأ 1/221/50) وعبد الرزاق في المصنف (2/429/3464).
(4) ما جاء في البدع (ص.93).
(5) ابن أبي شيبة في مصنفه (5/290/29191) ومن طريقه ابن وضاح في البدع (ص.54).
في هدى تركه حسبه ضلالة فقد بينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر. (1)
- وفي الإبانة أيضا عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: لا تسألوا عن أمر لم يكن، فإن الأمر إذا كان أعان الله عليه وإذا تكلفتم ما لم تبلوا به وكلتم إليه. (2)
- وفي سنن الدارمي: جاء رجل يوما إلى ابن عمر فسأله عن شيء لا أدري ما هو، فقال له ابن عمر: لا تسأل عما لم يكن فإني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن. (3)
- وروى ابن بطة بسنده إلى الحسين قال: قدم الأحنف بن قيس على عمر فسرح الوفد واحتبس الأحنف حولا ثم قال له: تدري لم حبستك؟ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذرنا كل منافق عليم ولست منهم إن شاء الله فالحق بأهلك. (4)
- وفيهما عن ابن عمر قال: رأيت عمر قبل الحجر وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلك ما قبلتك. (5)
- عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول، فيم الرملان والكشف عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (6)
- عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب يقول: الدية
__________
(1) الإبانة (1/2/320-321/162) والفقيه والمتفقه (1/383).
(2) الإبانة (1/2/408-409/317).
(3) الدارمي (1/50).
(4) الإبانة (2/3/527/640).
(5) سيأتي تخريجه قريبا.
(6) أبو داود (2/446-447/1887) وابن ماجة (2/984/2952).
للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا، حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر (1) -زاد الحميدي- عن قوله. (2)
- وروى الخطيب عن ابن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب في الأصابع بقضاء ثم أخبر بكتاب كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن حزم: "في كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل" فأخذ به، وترك أمره الأول. (3)
- وروى عن هشام بن يحيى المخزومي: أن رجلا من ثقيف أتى عمر ابن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر: ألها أن تنفر قبل أن تطهر؟ فقال عمر: لا، فقال له الثقفي: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيت، قال: فقام إليه عمر يضربه بالدرة، ويقول: لم تستفتني في شيء قد أفتى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (4)
- وروى عن بلال بن يحيى: أن عمر، قال: قد علمت متى صلاح
__________
(1) أحمد (3/452) وأبو داود (3/339-340/2927) والترمذي (4/371/2110) وقال: "هذا حديث حسن صحيح". ابن ماجه 2/833/2642) والنسائي في الكبرى (4/78-79/6363-6366).
(2) الفقيه والمتفقه (1/364).
(3) الفقيه والمتفقه (1/364-365) وعبد الرزاق في المصنف (9/385/17706) والبيهقي (8/93) بنحوه. أما حديث كتاب عمرو بن حزم فقد رواه النسائي (8/428-429/4868) وصححه ابن حبان (14/501/6559) والحاكم (1/395) وقال الحافظ في التلخيص (4/18): "قد صحح الحديث بالكتاب المذكور جماعة من الأئمة لا من حيث الإسناد، بل من حيث الشهرة فقال الشافعي في رسالته: لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال ابن عبدالبر: هذا كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة". وانظر تمام تخريجه في فتح البر (11/523).
(4) الفقيه والمتفقه (1/507).
الناس، ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا. (1)
- جاء في ذم الكلام: قال عمر بن الخطاب: لأن أسمع في ناحية المسجد بنار تشتعل أحب إلي من أن أسمع فيه ببدعة ليس لها مغير. (2)
- وأخرج البخاري عن شقيق قال: سمعت حذيفة يقول: بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر. فقال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: لا بل يكسر. قال عمر: إذن لا يغلق أبدا. قلت: أجل. قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أنى حدثته حديثا ليس بالأغاليط. فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال: عمر. (3)
- وفيه عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس بن حصن -وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء
__________
(1) الفقيه والمتفقه (2/158) وجامع بيان العلم وفضله (1/615) وذكره الشاطبي في الاعتصام (2/682).
(2) ذم الكلام (ص.85).
(3) أحمد (5/401-402) والبخاري (13/60/7096) ومسلم (4/2218/144) والترمذي (4/454-455/2258) وقال: "هذا حديث صحيح". والنسائي في الكبرى (1/144-145/327) وابن ماجه (2/1305-1306/3955).
أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا- فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس فاستأذن لعيينة، فلما دخل قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم بأن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - :  خُذِ  الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  (199) (1) وإن هذا من الجاهلين. فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله. (2)
- وفيه: عن أنس قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف. (3)

- وجاء في الفتح أن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله:   وَفَاكِهَةً وَأَبًّا  (31) (4) ما الأب؟ فقال عمر: نهينا عن التعمق والتكلف. (5)
- قال الشاطبي: فحق ما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
__________
(1) الأعراف الآية (199).
(2) البخاري (13/311-312/7286).
(3) البخاري (13/329/7293).
(4) عبس الآية (31).
(5) الفتح (13/336).
حيث قال: إنما هذا القرآن كلام، فضعوه مواضعه، ولا تتبعوا به أهواءكم، (1) أي: فضعوه على مواضع الكلام، ولا تخرجوه عن ذلك، فإنه خروج عن طريقه المستقيم إلى اتباع الهوى. (2)
- وروى ابن عبدالبر بسنده إلى عمر قال: إنما أخاف عليكم رجلين: رجل تأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس الملك على أخيه. (3)
- جاء في أعلام الموقعين: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري، وقال لأبي الشعثاء: لا تفتين إلا بكتاب ناطق، أو سنة ماضية. (4)
- وفيه قال عمر رضي الله عنه: لا تختلفوا، فإنكم إن اختلفتم كان من بعدكم أشد اختلافا. (5)
- وفيه عن السائب بن يزيد ابن أخت نمر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن حديثكم شر الحديث، إن كلامكم شر الكلام، فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل قال فلان وقال فلان، ويترك كتاب الله، من كان منكم قائما فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس. (6)
__________
(1) رواه الدارمي نحوه (2/317) وعبدالله بن أحمد في السنة (ص.27) والبيهقي في الاعتقاد (ص.205 برقم 59-60) وفي الأسماء والصفات (1/591-592/521-523) والآجري في الشريعة (1/215/167).
(2) الاعتصام (1/303-304).
(3) جامع بيان العلم وفضله (2/1202) وذكره الشاطبي في الاعتصام (1/304).
(4) إعلام الموقعين (1/253).
(5) إعلام الموقعين (1/259).
(6) إعلام الموقعين (2/194).
- وقال شيخ الإسلام: كتب عمر إلى شريح: اقض بما في كتاب الله، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله، فإن لم تجد فبما به قضى الصالحون قبلك. وفي رواية: فبما أجمع عليه الناس. (1)
- وقال: ورفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه نائحة، فأمر بضربها، فقيل: يا أمير المؤمنين إنه قد بدا شعرها. فقال: إنه لا حرمة لها، إنها تنهى عن الصبر، وقد أمر الله به، وتأمر بالجزع، وقد نهى الله عنه، وتفتن الحي، وتؤذي الميت، وتبيع عبرتها، وتبكي بشجو غيرها، إنها لا تبكي على ميتكم، إنما تبكي على أخذ دراهمكم. (2)
- وأخرج ابن وضاح عن عمر أنه كان يقول: أصدق القيل قيل الله، وإن أحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن شر الأمور محدثاتها، ألا وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (3)
- وأخرج عن يحيى بن أبي كثير قال: قال عمر بن الخطاب: إذا اختلف الناس في أهوائهم وعجب كل ذي رأي برأيه أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. (4)
موقفه من المشركين:
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كان إسلام عمر فتحا، وكانت
__________
(1) مجموع الفتاوى (19/200-201).
(2) المنهاج (4/552).
(3) ما جاء في البدع (ص.62) وجامع بيان العلم وفضله (1/615/1054).
(4) ما جاء في البدع (ص.160).
هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي".
- جاء في شعب الإيمان: عن أبي موسى في كاتب له نصراني عجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كتابه فقال: إنه نصراني قال أبو موسى: فانتهرني وضرب فخذي وقال أخرجه وقرأ:   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ  (1) وقال:   لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  اختب. (2)
قال أبو موسى: والله ما توليته إنما كان يكتب. قال: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب لك. لا تدنهم إذ أقصاهم الله ولا تأمنهم إذ خونهم الله ولا تعزهم بعد إذ أذلهم الله. (3)
- ذكر ابن جرير أنهم وجدوا قبر دانيال بالسوس، وأن أبا موسى لما قدم بها بعد مضي أبي سبرة إلى جندي سابور، كتب إلى عمر في أمره، فكتب إليه أن يدفنه وأن يغيب عن الناس موضع قبره ففعل. (4)
- وقال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس
__________
(1) الممتحنة الآية (1).
(2) المائدة الآية (51).
(3) شعب الإيمان (7/43).
(4) البداية والنهاية (7/91) والمنهاج (1/480-481).
يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة. (1)
- قال المعرور بن سويد: صليت مع عمر بن الخطاب في طريق مكة صلاة الصبح، فقرأ فيها  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ  (1) (2) ولِإِيلَافِ قُرَيْشٍ   قُرَيْشٍ  (1) (3) ثم رأى الناس يذهبون مذاهب، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهم يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا، فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمض ولا يتعمدها. (4)
- وقال: وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين، الذين عزموا على الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (5)
- وقال عمر رضي الله عنه: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم. (6)
"
__________
(1) ما جاء في البدع (ص.91) والاقتضاء (2/744-745).
(2) الفيل الآية (1).
(3) قريش الآية (1).
(4) ما جاء في البدع (ص.90-91) والحوادث والبدع (ص.159-160) والاقتضاء (2/744) والمنهاج (1/481).
(5) المنهاج (5/237).
(6) رواه عبد الرزاق (1609) والبيهقي في الكبرى (9/234).
التعليق:
كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حريصا على أن يكون المسلمون أصحاب عقيدة خالصة من شوائب الشرك والبدع، فلذا كان يقطع كل السبل التي قد يتذرع بها كل مشرك ومبتدع، فرضي الله عنه وأرضاه، لقد حمى جانب عقيدة التوحيد الخالصة.
- وعن عمر رضي الله عنه: أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك. (1)
- وجاء في الموطأ عن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن عبدالقاري، عن أبيه، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري. فسأله عن الناس. فأخبره. ثم قال له عمر: هل كان فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه. قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه، فضربنا عنقه. فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثا. وأطعمتموه كل يوم رغيفا. واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله؟ ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر. ولم آمر. ولم أرض. إذ بلغني. (2)
قتل العلج المجوسي لعمر بن الخطاب:
عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل
__________
(1) أحمد (1/34) والبخاري (3/589/1597) ومسلم (2/925/1270) وأبو داود (2/438-439/1873) والترمذي (3/214-215/860) والنسائي (5/227/2937) وابن ماجه (2/981/2943).
(2) الموطأ (2/737).
أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة ما فيها كبير فضل قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق، قالا: لا فقال عمر: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب. قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبدالله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه.
وتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله، فصلى بهم عبدالرحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام. قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقا -فقال: إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال: كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم- فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس. وقائل يقول: أخاف عليه. فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس فجعلوا يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال: ردوا علي الغلام. قال: ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك، يا عبدالله ابن عمر انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه. قال: إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدعني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي. فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني. فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر ابن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين.
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبدالرحمن. وقال: يشهدكم عبدالله ابن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة. وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا إلا طاقتهم. فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبدالله بن عمر. قال: يستأذن عمر بن الخطاب. قالت: أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبدالرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي. فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبدالرحمن بن عوف. فقال عبدالرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه. فأسكت الشيخان فقال عبدالرحمن: أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلُو عن أفضلكم. قالا: نعم فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال مثل ذلك. فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، وبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه. (1)
- وجاء في أصول الاعتقاد: عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة لما حضر أبي دعاني فقال: يا بنية إني قد كنت أعطيتك خيبر ولم تكوني حزتيها وإني أحب أن ترديها علي. قالت: فقلت: قد غفر الله لك يا أبت والله لو كانت خيبر ذهبا جمعا لرددتها عليك قال: فهي على كتاب الله يا بنية إني كنت أتجر قريش وأكثرهم مالا فلما شغلتني الإمارة رأيت إن أصبت من المال... ثم قال: العباءة القطوانية والخلاب والعبد فإذا قضيت فأسرعي به إلى ابن الخطاب. يا بنية ثيابي هذه فكفنيني بها. قالت: فبكيت فقلت: يا أبت نحن أيسر من ذلك، فقال: غفر الله لك، وهل ذلك إلا للمهل، قالت: فلما مات بعثت بذلك إلى ابن الخطاب فقال: يرحم الله أباك لقد أحب أن لا يترك لقائل مقالا. (2)
- وفيها: عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: قال عمر بن الخطاب: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير هذا فهو مفتر وعليه ما على
__________
(1) البخاري (7/74-76/3700).
(2) أصول الاعتقاد (7/1370/2449).
المفتري. (1)
- وفيها: عن وائل عن البهي قال: وقع بين عبيدالله بن عمر وبين المقداد كلام فشتم عبدالله المقداد فقال عمر علي بالحداد أقطع لسانه لا يجترئ أحد بعده فيشتم أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (2)
- وفيها: عن أبي وائل: أن رجلا حرج على أم سلمة قوله فأمر عمر أن يجلد مائتي جلدة. (3)
موقفه من الجهمية:
- عن يوسف بن مهران قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة فقال: قام فينا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه فقال: أيها الناس، إنه سيكون في هذه الأمة أقوام يكذبون بالرجم، ويكذبون بالدجال، ويكذبون بالحوض، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا. (4)
- عن الأحنف بن قيس قال: كنت عند عمر بن الخطاب فرأيت امرأة عنده وهي تقول: يا أمير المؤمنين اذكر إذ كنت في أصلاب المشركين وأرحام المشركات حتى مَنَّ الله عليك بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . فقلت لها: لقد أكثرت على أمير المؤمنين. فقال عمر: دعها. ما تعرفها؟ هذه التي سمع الله منها فأنا
__________
(1) أصول الاعتقاد (7/1369-1370/2448).
(2) أصول الاعتقاد (7/1338/2376).
(3) أصول الاعتقاد (7/1340/2382).
(4) الشريعة (2/136/811) وأصول السنة لابن زمنين (ص.190) وبنحوه في أصول الاعتقاد (6/1181/2084).
أحق أن أسمع منها. (1)
- قال عمر بن الخطاب: إن هذا القرآن كلام الله فضعوه على مواضعه. (2)
موقفه من الخوارج:
- عن المعتمر عن أبيه قال: حدثنا أبو عثمان أن رجلا كان من بني يربوع يقال له صبيغ سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الذاريات والنازعات والمرسلات أو عن إحداهن، فقال له عمر: ضع عن رأسك فوضع عن رأسه فإذا له وفيرة فقال: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك، قال: ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوه، أو قال: كتب إلينا أن لا تجالسوه، قال: فلو جلس إلينا ونحن مائة لتفرقنا عنه.
- وعن السائب بن يزيد قال: أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيل: يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلا سأل عن تأويل القرآن، فقال عمر: اللهم مكني منه، فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب فتغدى حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين وَالذَّارِيَاتِ  ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ  وِقْرًا فقال عمر: أنت هو، فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، فقال: والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم ثم
__________
(1) أصول الاعتقاد (3/455-456/690).
(2) السنة لعبدالله (23-24 و27) والإبانة (1/12/249-250/22-23) والشريعة (1/215/167).
ليقم خطيبا ثم ليقل إن صبيغا طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيدهم. قال أبو حاتم: ولم يقل أبو حفص في حديثه ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلادكم. (1)
"
التعليق:
قال الحافظ ابن حجر (2) : قال أبو أحمد العسكري: اتهمه عمر برأي الخوارج. (3)
قال ابن بطة (4) : فإن قلت: فإنه قال: لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك. فمن حلق رأسه يجب عليه ضرب العنق؟ فإني أقول لك: من مثل هذا أتى الزائغون، وبمثل هذا بلي المنقرون الذين قصرت هممهم وضاقت أعطانهم عن فهم أفعال الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين، فلم يحسوا بموضع العجز من أنفسهم فنسبوا النقص والتقصير إلى سلفهم. وذلك أن عمر رضي الله عنه قد كان سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يخرج قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول الناس يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية من لقيهم فليقتلهم فإن في
__________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/414-415/329-330) والآجري في الشريعة (1/210-211/160-161) والدارمي (1/54 و55-56) واللالكائي (4/701-703/1136-1138) وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/410-412) وعزاه الحافظ في الإصابة (5/169) لابن الأنباري وصحح سنده.
(2) الإصابة (5/169).
(3) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (23/409).
(4) الإبانة (1/2/416-417).
قتلهم أجرا عند الله". (1)
وفي حديث آخر: "طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، قيل: يا رسول الله ما علامتهم؟ قال: سيماهم التحليق". (2) فلما سمع عمر رضي الله عنه مسائله فيما لا يعنيه كشف رأسه لينظر هل يرى العلامة التي قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصفة التي وصفها، فلما لم يجدها أحسن أدبه لئلا يتغالى به في المسائل إلى ما يضيق صدره عن فهمه فيصير من أهل العلامة الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلهم فحقن دمه وحفظ دينه بأدبه رحمة الله عليه ورضوانه، ولقد نفع الله صبيغا بما كتب له عمر في نفيه، فلما خرجت الحرورية قالوا لصبيغ إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا فقال: هيهات نفعني الله بموعظة الرجل الصالح وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على وجهه أو رجليه أو على عقبيه ولقد صار صبيغ لمن بعده مثلا وتردعة لمن نقر وألحف في السؤال.
موقفه من المرجئة:
- عن الهزيل بن شرحبيل قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم. (3)
- عن زر بن حبيش قال: كان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه:
__________
(1) البخاري (12/350/6930) ومسلم (2/746-747/1066) من حديث علي رضي الله عنه.
(2) أخرجه أحمد (3/197) وأبو داود (4/123-124/4766) وابن ماجة (1/62/175) والحاكم (2/147) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وجوّد إسناده الحافظ في الفتح (12/354). من حديث أنس رضي الله عنه.
(3) الإبانة (2/7/856-857/1161) والسنة لعبدالله (ص.115) والسنة للخلال (4/44/1134).
هلموا نزدد إيمانا فيذكرون الله عز وجل. (1)موقفه من القدرية:
- عن عبدالله بن الحارث بن نوفل، قال: "خطبنا عمر رضي الله عنه بالجابية، والجاثليق ماثل بين يديه، والترجمان يترجم فقال عمر: من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق: إن الله لا يضل أحدا، فقال عمر، ما يقول؟ فقال الترجمان: لا شيء، ثم عاد في خطبته. فلما بلغ: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق: إن الله لا يضل أحدا، فقال عمر: ما يقول؟ فأخبره، فقال: كذبت يا عدو الله، ولولا عهدك لضربت عنقك، بل الله خلقك، والله أضلك، ثم الله يميتك، ثم يدخلك النار، إن شاء الله. ثم قال: "إن الله تعالى لما خلق آدم نثر ذريته، فكتب أهل الجنة وما هم عاملون، وأهل النار وما هم عاملون، ثم قال: هؤلاء لهذه، وهؤلاء لهذه". (2)
وقد كان الناس تذاكروا القدر، فافترق الناس، وما يذكره أحد". (3)
"
التعليق:
__________
(1) أصول الاعتقاد (5/1012/1700) والإبانة (2/7/846-847/1134) والشريعة (1/262/241) وابن أبي شيبة في الإيمان (ح108)، وهو في المصنف (6/164-165/30366) والخلال في السنة (4/39-40/1122).
(2) أخرجه البزار (3/20/2141) والطبراني في الصغير (1/150/354) وقال الهيثمي في المجمع (7/786): "ورجال البزار رجال الصحيح". من حديث ابن عمر وفي الباب عن غيره أخرجها من طرق الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة بالأرقام: (46و47و48و49و50).
(3) الشريعة (1/398-399/455) والسنة لعبدالله (142) واللالكائي (4/729-730/1197) والإبانة (2/9/129-130/1560).
انظر رحمك الله مَوقفَ رجل -أمرنا بالاقتداء به- وَقَفَهُ من المبتدعة، هل فيه شيء من المداهنة أوالمسالمة، ما هو إلا ضرب العنق وفرض الحجة والبرهان، لا زبالة الرأي ووساوس الشيطان.
- وجاء في الإبانة: عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر رضي الله عنه يوم أصيب وعليه ثوب أصفر فخر وهو يقول:  وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا  (1) .اهـ (2)
- وفيها عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القدر قدرة الله عز وجل، فمن كذب بالقدر؛ فقد جحد قدرة الله عز وجل. (3)
- وفيها عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: أعطاك من لا يمن ولا يحرم. قال: كذبت، بل الله يمن عليك بالإيمان، ويحرم الكافر الجنة. (4)
- وفيها عن ثابت أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين. أعطني؛ فوالله لئن أعطيتني لا أحمدك، ولئن منعتني لا أذمك، قال: لم؟ قال: لأن الله عز وجل هو الذي يعطي وهو الذي يمنع، قال:
__________
(1) الأحزاب الآية (38).
(2) الإبانة (2/9/87/1497).
(3) الإبانة (2/9/131/1562).
(4) الإبانة (2/9/131/1563).
أدخلوه بيت المال ليحضره فليأخذ ما شاء... (1)
- وفيها أيضا عن عمرو بن ميمون أن عمر سمع غلاما وهو يقول: اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه؛ فحل بيني وبين الخطايا؛ فلا أعمل بشيء منها، فقال عمر: رحمك الله ودعا له بخير. (2)
- وعن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد -أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام. قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام فاختلفوا. فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن نرجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادعوا لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة: نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان (إحداهما) خصيبة والأخرى جدبة أليس إن
__________
(1) الإبانة (2/9/131/1564).
(2) الإبانة (2/9/132/1566).
رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال: إن عندي في هذا علما: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" قال: فحمد الله عمر ثم انصرف. (1)
- وعن أبي عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب -وهو يطوف بالبيت- يقول: اللهم إن كنت كتبتني في السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبتني على الشقوة فامحني منها وأثبتني في السعادة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. (2)
- وعن ابن أبزى قال: أتي عمر فقيل له: إن ناسا يتكلمون في القدر فقام خطيبا فقال يا أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم في القدر والذي نفس عمر بيده لا أسمع برجلين تكلما فيه إلا ضربت أعناقهما. قال: فأحجم الناس فما تكلم فيه أحد حتى ظهرت نابغة الشام. (3)
- وأخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة الزهري من طريق ابن أخي الزهري عن عمه قال: كان عمر بن الخطاب يأمر برواية قصيدة لبيد بن ربيعة التي يقول فيها:
__________
(1) أحمد (1/194) مختصرا والبخاري (10/220/5729) ومسلم (4/1740-1741/2219) وأبو داود (3/478/3103).
(2) أصول الاعتقاد (4/735/1207) والإبانة (2/9/131-132/1565) ومجموع الفتاوى (8/540).
(3) أصول الاعتقاد (4/735-736/1208) والإبانة (2/11/309-310/1986).
إن تقوى ربنا خير نفل أحمد الله فلا ند له من هداه سبل الخير اهتدى ... وبإذن الله ريثي وعجل بيديه الخير ما شاء فعل
ناعم البال ومن شاء أضل (1)

- وجاء في المنهاج: ويذكر أن رجلا سرق فقال لعمر: سرقت بقضاء الله وقدره. فقال له: وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره.
" التعليق:
قال ابن تيمية رحمه الله: وهكذا يقال لمن تعدى حدود الله، وأعان العباد على عقوبته الشرعية، كما يعين المسلمين على جهاد الكفار: إن الجميع واقع بقضاء الله وقدره، لكن ما أمر به يحبه ويرضاه، ويريده شرعا ودينا، كما شاء خلقا وكونا، بخلاف ما نهى عنه. (2)







Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More