الزواج
للشيخ / محمد بن صالح العثيمين
ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نتوب اليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا عبده و رسوله صلي الله على اله وأصحابه و سلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإنني مسرور بما تيسر لي من المشاركة في الموسم الثقافي للمحاضرات في كليتي الشريعة و اللغة العربية بالقصيم1 لما ارجوه من الفائدة التي تحصل لي و لمن سمع محاضراتي أو قرأها إن شاء الله تعالى و اسأل الله تعالى أن يجعل عملنا جميعا خالصا لوجهه موافقا لمرضاته.
و لكنني أحب أن أقدم كلمة قبل الدخول في صميم المحاضرة تكون مناسبة – إن شاء الله – و هي أنكم تعرفون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كان ذلك في ليلة الثلاثاء 7/3/1398.
ص -4- أيها الاخوة.. و أيها المشايخ إن الإسلام في عصرنا هذا محارب من جهات متعددة.
1- من جهة الأفكار، من جهة الأخلاق، من جهة العقائد.
و أنه كلما شنت الغارات وقويت فانه يجب أن يكون لها مضاد يقابلها بل يكون اعلي منها فإذا لم يكن ذلك فان معناه القضاء على الإسلام.
وهذا أمر في أعناق أهل العلم و أهل الدين، يجب عليهم أن يبذلوا الجهد ما استطاعوا بان يمنعوا هذه التيارات التي جاءتنا من كل جانب و التي أصبح الإنسان فيها بل الحليم حيران لا يدري كيف يتصرف؟
ولقد كنا نسمع كثيرا إن أعداء المسلمين يقولون: انه يجب التركيز على – المملكة العربية السعودية – لكونها مهد الإسلام و قبلة المسلمين و قدوتهم، ولهذا تجدهم يشنون الغارات الشرسة و المكايد المحكمة و يكرسون جهودهم لحرب هذه المملكة و إذا لم يقم أهل هذه المملكة من
ص -5- علماء ومن مخلصين بإيصاد الباب أما هؤلاء و سوف يجوسون خلال الديار و سوف تجدون أمورا تنكرونها غاية الإنكار.
و الذي يجب علينا أمام هذه التيارات أيها الاخوة هو:
1- توحيد الدعوة
2-توحيد الجهد
3-الا نجعل بيننا مكانا لموطئ قدم من الأعداء
و لكني أقول بالحقيقة أننا نعمل على ذلك كل منا كأنما يعمل وحده لا نجد اثنين الا ما شاء الله على هدف واحد أو بعبارة اصح على طريق واحد و إن كان الهدف متحدا.
لذلك أرى أن من واجب علماء هذه المملكة سواء في الرياض أو في الحجاز أو في القصيم أو في غيرها من مناطق المملكة إن يجتمعوا على كلمة واحدة و أن يدرسوا الموضوع بجد لأنه خطير فيما أرى، يدرسوه دراسة
ص -6- وافية لا فيما يتصل بوسائل الإعلام و لا فيما يتصل بوسائل الثقافة و مناهج المدارس و مقرراتها و لا فيما يكون بين عامة الناس من الانحراف و الانصراف عن أصول دينهم و فروعه.
و نحن نجد كثيرا من طلاب العلم مشغولون بغير ما هم مكلفون به بطلب الدنيا و الإقبال عليها و الالتفاف حولها و هذا في الحقيقة يضعف دعوتهم إلي الخير، يضعف قبولها أمام العامة أيضا فان لسلوك العالم خطرا بالغا في تأثيره على من حوله فإذا كان العامة لا يجدون من أهل العلم الا التكالب على الدنيا كما يتكالب عليها السوقة من عامة الناس فإنهم لن يثقون أبدا بما عندهم من الإرشادات و العلوم.
كذلك أيها الاخوة بالنسبة لولاة الأمور يجب علينا مناصحتهم لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" ثلاثة مرات قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: "لله و لكتابه
ص -7- و لرسوله و لائمة المسلمين و عامتهم"1 .
فالواجب علينا مناصحة ولاة الأمور و الا نعتمد على رجل أو رجلين أو ثلاثة أو أربعة، يناصحون ولاة الأمور، فولاة الأمور إذا كثر ناصحوهم و عرفوا الحق من كل جانب و جاءتهم النصيحة من كل وجه فإنهم لا بد أن يلتفتوا إلي ذلك و أن يسلكوا المنهج الذي نسال الله تعالى أن يوفقهم له، وهو منهج النبي صلي الله عليه وسلم ظاهرا و باطنا.
كذلك بالنسبة للعامة نجد أكثر المساجد – مع الأسف – غالب أئمتها جهال ولا يرشدون و لا ينصحون لا يتكلمون و كان الناس قبل وقتنا الحاضر و قبل أن تفتح عليهم الدنيا، يأخذ إمامهم و أن لم يكن من طلبة العلم بعض الكتب المعتمدة، فيقرؤها على المصلين و ينتفعون بها، أما اليوم فغالب المساجد لا يقرا فيها شئ و لا يوجه الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم 55.
ص -8- جماعته إلي ما ينفعهم و لهذا تجد عزوف العامة عن المسائل الدينية كثيرا جدا و هذا كله بتقصير من أهل العلم و بتقصير ممن يهمهم هذا الأمر، فعلينا أيها الاخوة إن نجتمع و أن نوحد جهودنا و أن نناصح ولاة أمورنا و أن نبذل الجهد في نصح عامة المسلمين في المساجد و الطرقات و غيرها ما استطعنا إلي ذلك سبيلا.
و شئ آخر مهم جدا وهو العزلة بين الشباب و الشيوخ هذه العزلة التي أصبح الشباب فيها حيران لا يهتدون سبيلا كل هذا في الحقيقة من تقصير كبار السن وعدم التفات بعضهم إلي الشباب مطلقا حتى إنهم لا يصغون لهم وان قالوا رشدا و هذا من الخطأ فالواجب علينا أن نكون مع هؤلاء الشباب وان ننظر ما هم عليه و أن نلاحظ ما حولهم مما يؤثر عليهم و ما السبب الذي أوجب لهم هذا العزوف و الانصراف عن الإقبال على دينهم ؟ حتى إذا عرفنا الداء أمكننا أن نقوم بإعطاء الدواء.
و أما كوننا إذا سمعنا ما لا ينبغي عن بعضهم أعرضنا عن
ص -9- الجميع ثم نبذناهم و جعلنا نسبهم في كل مكان و لا نبالي بشأنهم و ننظر إليهم بعين الاحتقار فهذا مما يوجب الشر العظيم من بعد الشباب عن الشيوخ و عن أهل العلم و الدين حتى تقودهم الشياطين إلي ما تريد.
فعلينا أيها الاخوة أن نراعي هذه المسالة الخطير وان نلقي لها بالا و نحسب لها حسابا.
و على المدرسين خصوصا: أن يجتهدوا في تثقيف الطلبة تثقيفا دينيا و أن يرغبوهم فيما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وأن يبصروهم بالدين على حقيقته و أن يكشفوا لهم الأحكام الشرعية كشفا واضحا مع بيان أسرار الشريعة وحكمتها لأني أري أن التعليم و لا سيما الجامعي فيه بعض النقص و ذلك أن بعض المدرسين يلقي الدرس جافا أي إنهم "لا يبينون للطلبة دليل حكم المسالة و لا حكمته" و واقع المؤمن أن ينقاد إلي أمر الله و رسوله سواء علم الحكمة أم لا. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
ص -10- [الأحزاب- 36] ولكنه إذا عرف الحكمة ازداد اطمئنانا و تطبيقا ورغبة في الشريعة و لهذا أحث إخواني المدرسين على أن يلقوا العلم إلي الطلبة دسما حيا محركا للقلوب مهذبا للنفوس ينشرح به الصدر و تطمئن اليه النفس.
و الآن ارجع إلي صميم المحاضرة:
لقد كان موضوع محاضرتي هذه"عقد النكاح و آثاره و ما يترتب عليه و غير ذلك من بعض ما يتعلق به".
و اخترت هذا الموضوع لأهميته و جهل كثير من الناس بكثير من أحكامه، ولما يتصل به من المشكلات الاجتماعية التي يتمنى كل مخلص و ناصح لدينه و أمته أن ييسر حلها، فان المشكلات كلما طرقت و ألقيت الأضواء عليها تيسر حلها و إذا تناساها الناس و أغمضوا عيونهم بقيت كما هي أو زادت غموضا و إشكالا.
وقد عقدت لهذا الموضوع عشرة فصول:
الفصل الاول: في معنى النكاح لغة وشرعا.
الفصل الثاني: في حكم النكاح.
ص -11- الفصل الثالث: في شروط النكاح.
الفصل الرابع: في أوصاف المرأة التي ينبغي نكاحها.
الفصل الخامس: في المحرمات في النكاح.
الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح.
الفصل السابع: في الحكمة من النكاح.
الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح و منها:
1- المهر. 2- النفقة. 3- الصلة بين الأصهار. 4- المحرمية. 5-الميراث
الفصل التاسع: في حكم الطلاق و ما يراعى فيه.
الفصل العاشر: فيما يترتب على الطلاق.
فنقول مستعينين بالله تعالي، مستهلين منه التوفيق والسداد راجين منه النفع للعباد.
ص -12- الفصل الأول: في معنى النكاح لغة و شرعا
النكاح في اللغة: يكون بمعنى عقد التزويج و يكون بمعنى وطء الزوجة قال أبو علي القالي: "فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع و الوطء".
ومعنى النكاح في الشرع: "تعاقد بين رجل و امرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم".
ومن هنا نأخذ انه لا يقصد بعقد النكاح مجرد الاستمتاع بل يقصد به مع ذلك معنى آخر هو (تكوين الأسرة الصالحة و المجتمعات السليمة) لكن قد يغلب احد القصدين على الآخر لاعتبارات معينة بحسب أحوال الشخص.
ص -13- الفصل الثاني في حكم النكاح:
النكاح باعتبار ذاته مشروع مؤكد في حق كل ذي شهوة قادر عليه. وهو من سنن المرسلين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد-38].
وقد تزوج النبي صلي الله عليه وسلم و قال: "إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"1.
و لذلك قال العلماء: إن التزويج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة و الآثار الحميدة التي سنبين بعضها فيما بعد إن شاء الله.
و قد يكون النكاح واجبا في بعض الأحيان كما إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح – رقم "5063" و مسلم في كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".
ص -14- الرجل قوي الشهوة ويخاف على نفسه من المحرم إن لم يتزوج فهنا يجب عليه أن يتزوج لاعفاف نفسه وكفها عن الحرام ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء"1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب من لم يستطع الباءة فليصم رقم "5066" ومسلم كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".
ص -15- الفصل الثالث: في شروط النكاح
من حسن التنظيم الإسلامي ودقته في شرع الأحكام إن جعل للعقود شروطا بها و تتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ و الاستمرار فكل عقد من العقود له شروط لا يتم الا بها و هذا دليل واضح على أحكام الشريعة و إتقانها وأنها جاءت من لدن حكيم خبير يعلم ما يصلح للخلق و يشرع لهم ما يصلح به دينهم و دنياهم حتى لا تكون الأمور فوضى لا حدود لها و من بين تلك العقود عقد النكاح فعقد النكاح له شروط نذكر منها ما يأتي وهو أهمها:
1- رضا الزوجين: فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد و لا إجبار المرأة على نكاح من لا تريد.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً}"النساء:19". وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستامر و لا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا
ص -16- رسول الله و كيف إذنها ؟ قال: "أن تسكت"1
فنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن تزويج المرأة بدون رضاها سواء أكانت بكرا أم ثيبا الا أن الثيت لا بد من نطقها بالرضا و أما البكر فيكفي في ذلك سكوتها لأنها تستحي من التصريح بالرضا.
و إذا امتنعت عن الزواج فلا يجوز أن يجبرها عليه احد و لو كان أباها، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "و البكر يستأذنها أبوها"2.
و لا أثم على الأب إذا لم يزوجها في هذه الحال لأنها هي التي امتنعت و لكن عليه أن يحافظ عليها و يصونها.
و إذا خطبها شخصان، وقالت: أريد هذا و قال وليها: تزوجي الآخر، زوجت بمن تريد هي إذا كان كفئا لها أما إذا كان غير كفء فلوليها أن يمنعها من زواجها به و لا إثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب و غيره البكر و الثيب الا برضاها رقم"5136" و مسلم كتاب نكاح باب استئذان الثيب في النكاح رقم" 1419".
2 رواه مسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق و البكر بالسكوت رقم "1421".
ص -17- عليه في هذه الحال .
2. الولي فلا يصح النكاح بدون ولي،لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"1. فلو زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل ، سواء باشرت العقد بنفسها أم وكلت فيه.
والولي: هو البالغ العاقل الرشيد من عصباتها، مثل الأب، و الجد من قبل الأب، و الابن و ابن الابن و إن نزل و الأخ الشقيق و الأخ من الأب و العم الشقيق و العم من الأب و أبنائهم الأقرب فالأقرب.
ولا ولاية للأخوة من الأم و لا لأبنائهم و لا أبي الأم و الأخوال لأنهم غير عصبة.
و إذا كان لا بد في النكاح من الولي فانه يجب على الولي اختيار الأكفأ الأمثل إذا تعدد الخطاب فإن خطبها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود كتاب النكاح باب في الولي رقم "2085" و الترمذي، كتاب النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي رقم "1101" و ابن ماجه كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي رقم" 1881"
ص -18- واحد فقط وهو كفء و رضيت فانه يجب عليه أن يزوجها به وهنا نقف قليلا لنعرف مدى المسئولية الكبيرة التي يتحملها الولي بالنسبة إلي من ولاه الله عليها فهي أمانة عنده يجب عليه رعايتها ووضعها في محلها و لا يحل له احتكارها لأغراضه الشخصية أو تزويجها بغير كفئها من اجل طمع فيما يدفع اليه، فان هذا من الخيانة وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. وقال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. و قال النبي صلي الله عليه وسلم: "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته"1.
وترى بعض الناس تخطب منه ابنته يخطبها كفء ثم يرده و يرد آخر و آخر و من كان كذلك فان ولايته تسقط و يزوجها غيره من الأولياء الأقرب فالأقرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} رقم "5188" و مسلم كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العادل رقم "1829".
ص -19- الفصل الرابع: في صفة المرأة التي ينبغي نكاحها
النكاح يراد للاستمتاع و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم كما قلنا فيما سبق. و على هذا فالمراة التي ينبغي نكاحها هي التي يتحقق فيها استكمال هذين الغرضين و هي التي اتصفت بالجمال الحسي و المعنوي.
فالجمال الحسي: كمال الخلقة لان المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها و أصغت الإذن إلي منطقها فينفتح إليها القلب و ينشرح إليها الصدر و تسكن إليها النفس و يتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم-21].
والجمال المعنوي: كمال الدين و الخلق فكلما كانت المرأة أدين و أكمل خلقا كانت أحب إلي النفس و اسلم عاقبة.
ص -20- فالمرأة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها و فراشه و أولاده و ماله، معينه له على طاعة الله تعالى، إن ذكرته و أن تثاقل نشطته و أن غضب أرضته.
و المرأة الأدبية تتودد إلي زوجها و تحترمه و لا تتأخر عن شئ يحب أن تتقدم فيه و لا تتقدم في شئ يحب أن تتأخر فيه و لقد سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر و تطيعه إذا أمر و لا تخالفه في نفسها و لا ماله بما يكره"1 وقال صلي الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأنبياء، أو قال: الأمم"2.
فان أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال المنظر و جمال الباطن فهذا هو الكمال و السعادة بتوفيق الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه احمد و النسائي كتاب النكاح باب أي النساء خير رقم "3231".
2 رواه أبو داود كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء رقم"2050" و النسائي كتاب النكاح باب كراهية تزويج العقيم رقم " 3227".
ص -21- الفصل الخامس: في المحرمات بالنكاح
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تتعدوها"1.
و من جملة الحدود الشرعية التي حد الله تعالى حدودها النكاح حلا و حرمة، حيث حرم على الرجل نكاح نساء معينة لقرابة أو رضاعة أو مصاهرة أو غير ذلك.
و المحرمات من النساء على قسمين:
قسم محرمات دائما و قسم محرمات إلي أجل.
1-محرمات دائما
و هن ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: المحرمات بالنسب: وهن سبع ذكرهن الله تعالى بقوله في سورة النساء: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدار قطني في سننه "4/184".
ص -22- وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23]
1- فالأمهات: يدخل فيهم: الأم، و الجدات سواء كن من جهة الأب أم من جهة الأم.
2- و البنات: يدخل فيهن: بنات الصلب و بنات الأبناء و بنات البنات وان نزلن.
3- و الأخوات: يدخل فيهن الأخوات الشقيقات و الأخوات من الأب و الأخوات من الأم
4- و العمات: يدخل فيهن: عمات الرجل و عمات أبيه و عمات أجداده و عمات أمه و عمات جداته.
5- و الخالات: يدخل فيهن: خالات الرجل و خالات أبيه وخالات أجداده و خالات أمه و خالات جداته.
6- و بنات الأخ: يدخل فيهن بنات الأخ الشقيق و بنات الأخ من الأب و بنات الأخ من الأم و بنات أبنائهم و بنات بناتهم وإن نزلن.
7-و بنات الأخت: يدخل فيهن: بنات الأخت الشقيقة و بنات الأخت من الأب و بنات الأخت من الأم و بنات
ص -23- أبنائهن و بنات بناتهن وإن نزلن.
الصنف الثاني: المحرمات بالرضاع: وهن نظير المحرمات بالنسب.
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"1 و لكن الرضاع المحرم لا بد له من شروط منها:
الشرط الأول: أن يكون خمس رضعات فأكثر فلو رضع الطفل من المرأة أربع رضعات لم تكن أما له. لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلي الله عليه وسلم و هي فيما يقرأ من القرآن"2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه البخاري كتاب الشهادات باب الشهادة على الأنساب و الرضاعة رقم "2645، 2646" و مسلم كتاب الرضاع ما يحرم من الولادة رقم"1447، 1444".
2 رواه مسلم كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات رقم "1452".
ص -24- الشرط الثاني: أن يكون الرضاع قبل الفطام أي يشترط أن تكون الرضعات الخمس كلها قبل الفطام فان كانت بعد الفطام أو بعضها قبل الفطام و بعضها بعد الفطام لم تكن المرأة أما له.
و إذا تمت شروط الرضاع صار الطفل ولدا للمرأة و أولادها أخوة له سواء كانوا قبله أو بعده و صار أولاد صاحب اللبن أخوة له أيضا سواء كانوا من المرأة التي أرضعت الطفل أم من غيرها.
وهنا يجب أن نعرف بأن أقارب الطفل المرضع سوى ذريته لا علاقة لهم بالرضاع ولا يؤثر فيهم الرضاع شيئا فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاع أو أخته من الرضاع.
أما ذرية الطفل فإنهم يكونون أولادا للمرضعة و صاحب اللبن كما كان أبوهم من الرضاع كذلك.
الصنف الثالث: المحرمات بالصهر:
زوجات الآباء و الأجداد و إن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
ص -25- آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} "النساء: 22" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبنائه و أبناء أبنائه و أبناء بناته و إن نزلوا سواء دخل بها أم لم يدخل بها.
1- زوجات الأبناء وان نزلوا،لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء-23] فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبيه و أجداده و إن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم بمجرد العقد عليها و إن لم يدخل بها.
2- أم الزوجة وجدتها و إن علون، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}"النساء: 23" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت أمها و جدتها حراما عليه بمجرد العقد و إن لم يدخل بها سواء كن جدتها من قبل الأب أم من قبل الأم.
3- بنات الزوجة، و بنات أبنائها و بنات بناتها وان نزلن وهن الربائب و فروعهن لكن بشرط أن يطأ الزوجة فلو حصل الفراق قبل الوطء لم تحرم الربائب و فروعهن، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
ص -26- حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فمتى تزوج الرجل امرأة ووطئها صارت بناتها و بنات أبنائها و بنات بناتها و إن نزلن حراما عليه سواء كن من زوج قبله أم من زوج بعده أما إن حصل الفراق بينهما قبل الوطء فان الربائب و فروعهن لا يحرمن عليه.
2- المحرمات إلي أجل
وأما المحرمات إلي أجل فمنهن:
1- أخت الزوجة و عمتها و خالتها حتى يفارق الزوجة فرقة موت أو فرقة حياة و تنقضي عدتها لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}: [النساء- 23] و قول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة و عمتها و لا بين المرأة و خالتها"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه البخاري كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها رقم"5109" و مسلم كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة و عمتها رقم "1408"
ص -27- [متفق عليه].
2- متعددة الغير: أي إذا كانت المرأة في عدة لغيره فإنه لا يجوز له نكاحها حتى تنتهي عدتها و كذلك لا يجوز له أن يخطبها إذا كانت في العدة حتى تنتهي عدتها.
3- المحرمة بحج أو عمرة: لا يجوز عقد النكاح عليها حتى تحل من إحرامها. وهناك محرمات أخرى تركنا الكلام فيهن خوفا من التطويل.
و أما الحيض: فلا يوجب تحريم العقد على المرأة فيعقد عليها وان كانت حائضا لكن لا توطأ حتى تطهر و تغتسل.
ص -28- الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح
لما كان إطلاق العنان للشخص في تزويج ما شاء من العدد أمرا يؤدي إلي الفوضى و الظلم و عدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات و كان حصر الرجل على زوجة واحدة قد يفضي إلي الشر و قضاء الشهوة بطريقة أخرى محرمة أباح الشارع للناس التعدد إلي أربعة فقط لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل و القيام بحق الزوجة و يسد حاجته إن احتاج إلي أكثر من واحدة.
قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].
و في عهد النبي صلي الله عليه وسلم اسلم غيلان الثقفي و عنده عشرة نساء فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا و يفارق البواقي، وقال قيس بن الحارث: أسلمت و عندي ثمانية نسوة فأتيت النبي
ص -29- صلي الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: "اختر منهن أربعا"1.
وتعدد النساء إلى هذا الحد له فوائد منها
1- أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن أو مريضة لو اقتصر عليها لم يكن له منها عفاف و تكون ذات أولاد منه فان امسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها فلا تزول هذه المشكلة الا بحل التعدد.
2- إن النكاح سبب للصلة و الارتباط بين الناس و قد جعله الله تعالى قسيما للنسب فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [ الفرقان-54] فتعدد الزوجات يربط بين اسر كثيرة و يصل بعضهم ببعض وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلي الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود كتاب الطلاق باب فيمن اسلم و عنده نساء أكثر من أربع رقم " 2241"
ص -30- النساء.
3- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء و القيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل و هذا أمر مطلوب للشارع.
4- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة و هي تقي نزيه و يخاف الزنا ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم.
ص -31- الفصل السابع - في حكمة النكاح
قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسالة يجب علينا أن نعلم علما يقينا بان الأحكام الشرعية كلها حكم و كلها في موضعها وليس فيها شئ من العبث و السفه ذلك لأنها من لدن حكيم خبير.
و لكم هل الحكم كلها للخلق؟ إن الآدمي محدود في علمه وتفكيره وعقله فلا يمكن أن يعلم كل شئ و لا أن يلهم معرفة كل شئ قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء-85].
إذن: فالأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده يجب علينا الرضا بها سواء علمنا حكمتها أم لم نعلم لأننا إذا لم نعلم حكمتها فليس معناه أنه لا حكمة فيها في الواقع إنما معناه قصور عقولنا و إفهامنا عن إدراك الحكمة.
أما الحكمة في النكاح فكثيرة منها:
1-حفظ كل من الزوجين و صيانته قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يا
ص -32- معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج"1
2-حفظ المجتمع من الشر و تحلل الأخلاق فلولا النكاح لانتشرت الرذائل بين الرجال و النساء.
3-استمتاع كل من الزوجين بالآخر بما يجب له من حقوق و عشرة فالرجل يكفل المرأة و يقوم بنفقاتها من طعام و شراب و مسكن و لباس بالمعروف قال النبي صلي الله عليه وسلم: "و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف"2. و المرأة تكفل الرجل أيضا بالقيام بما يلزمها في البيت من رعاية و إصلاح قال النبي صلي الله عليه وسلم: "... و المرأة راعية في بيت زوجها و مسئولة عن رعيتها"3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ص 14.
2 رواه احمد "5/73" وأبو داود كتاب المناسك باب صفة حجة النبي صلي الله عليه وسلم رقم"1905" وابن ماجه كتاب المناسك باب حجة رسول الله صلي الله عليه وسلم رقم(3074).
3 سبق تخريجه ص 18.
ص -33- 4- أحكام الصلة بين الأسر و القبائل فكم من أسرتين متباعدتين لا تعرف إحداهما الأخرى و بالزواج يحصل التقارب بينهما و الاتصال و لهذا جعل الله الصهر قسيما للنسب كما تقدم.
5- بقاء النوع الإنساني على وجه سليم فان كان النكاح سبب للنسل الذي به بقاء الإنسان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء-1].
ولو لا النكاح للزم احد أمرين أما:
1- فناء الإنسان.
2- أو وجود إنسان ناشئ من سفاح لا يعرف له أصل ولا يقوم على أخلاق.
ويطيب لي أن أستطرد هنا قليلا لحكم تحديد النسل.
فأقول: تحديد النسل بعدد معين خلاف مطلوب الشارع فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بتزويج المرأة الولود أي كثيرة
ص -34- الولادة وعلل ذلك بأنه مكاثر بنا الأمم أو الأنبياء. وقال أهل الفقه: ينبغي أن يتزوج المرأة المعروفة بكثرة الولادة أما بنفسها إن كانت تزوجت من قبل و عرفت بكثرة الولادة أو بأقاربها كأمها و أختها إذا كانت لم تتزوج من قبل.
ثم ما الداعي لتحديد النسل؟
هل هو الخوف من ضيق الرزق أو الخوف من تعب التربية ؟
إن كان الأول فهذا سوء ظن بالله تعالى لان الله سبحانه وتعالى إذا خلق خلقا فلا بد أن يرزقه. قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود-6] وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} "العنكبوت 60" وقال تعالى في الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء 31].
وإن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد اتعبوا أتعابا كبيرا في التربية و كم من عدد سهلت تربيتهم بأكثر
ص -35- ممن وهم دونهم بكثير. فالمدار في التربية صعوبة و سهولة على تيسير الله تعالى و كلما اتقى العبد ربه و تمشى على الطرق الشرعية سهل الله أمره قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} "الطلاق 4".
وإذا تبين أن تحديد النسل خلاف المشروع فهل تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من ذلك؟
الجواب: لا ليس تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من تحديد النسل في شئ و اعني بتنظيم النسل أن يستعمل الزوجان أو احدهما طريقة تمنع من الحمل في وقت دون وقت فهذا جائز إذا رضي به من الزوج و الزوجة مثل: أن تكون الزوجة ضعيفة و الحمل يزيد ها ضعفا أو مرضا وهي كثيرة الحمل فتستعمل برضا الزوج هذه الحبوب التي تمنع من الحمل مدة معينة فلا باس بذلك وقد كان الصحابة يعزلون في عهد النبي صلي الله عليه وسلم و لم ينهوا عن ذلك و العزل من أسباب امتناع الحمل من هذا الوطء.
ص -36- الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح
يترتب على النكاح آثار كثيرة منها ما يلي:
أولا: وجوب المهر:
والمهر: هو الصداق المسمى باللغة العامة جهازا- فالمهر ثابت للمرأة بالنكاح سواء شرط أم سكت عنه وهو المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح فإن كان معينا فهو ما عين سواء كان قليلا أم كثيرا و إن كان غير معين بإن عقد عليها ولم يدفع جهازا ولم يسموا شيئا فعلى الزوج أن يدفع إليها مهر الثمن وهو ما جرت العادة أن يدفع لمثلها.
وكما يكون المهر مالا أي عينا يكون كذلك منفعة فلقد "زوج النبي صلي الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئا من القرآن"1.
والمشروع في المهر أن يكون قليلا فكلما قل وتيسر فهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب تزويج المعسر رقم" 5087" و مسلم كتاب النكاح باب الصداق و جواز كونه تعليم قرآن رقم "1425"
ص -37- أفضل إقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم و تحصيلا للبركة فان أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة و روى مسلم في صحيحه أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: أني تزوجت امرأة.قال: "كم أصدقتها؟" قال: أربع أواق يعني مائة و ستين درهما فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك و لكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه"1.
وقال عمر رضي الله عنه: "لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلي الله عليه وسلم، ما أصدق النبي صلي الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، و الأوقية أربعون درهما".
ولقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السيئ في منع كثير من الناس من النكاح رجالا ونساء و صار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن يحصل المهر، فنتج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم متاب النكاح باب ندب النظر إلي المرأة رقم "1424".
ص -38- عن ذلك مفاسد منها:
1-تعطل كثير من الرجال و النساء عن النكاح.
2- أن أهل المرأة صاروا ينظرون إلي المهر قلة وكثرة فالمهر عند كثير منهم هو ما يستفيدونه من الرجل لامرأته فإذا كان كثيرا زوجوا ولم ينظروا للعواقب و إن كان قليلا ردوا الزوج و إن كان مرضيا في دينه و خلقه.
3- انه إذا ساءت العلاقة بين الزوج و الزوجة و كان المهر بهذا القدر الباهظ فانه لا تسمح نفسه غالبا بمفارقتها بإحسان بل يؤذيها و يتعبها لعلها ترد شيئا مما دفع إليها ولو كان المهر قليلا لهان عليه فراقها.
ولو أن الناس اقتصدوا في المهر و تعاونوا في ذلك و بدا الأعيان بتنفيذ هذا الأمر لحصل للمجتمع خير كثير و راحة كبيرة و تحصين كثير من الرجال والنساء.
ولكن مع الأسف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلي تصاعد المهور وزيادتها فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل ولا ندري إلي أي غاية ينتهون؟
ص -39- ولقد كان بعض الناس وخصوصا البادية يسلكون مسلكا فيه بعض السهولة وهو تأجيل شئ من المهر مثل: أن يزوجه بمهر قدره كذا نصفه حال و نصفه مؤجل إلي سنة أو اقل أو أكثر و هذا يخفف عن الزوج بعض التخفيف.
ثانيا: النفقة:
فعلى الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف طعاما وشرابا و كسوة و سكني فان بخل بشئ من الواجب فهو آثم و لها أن تأخذ من ماله بقدر كفايتها أو تستدين عليه ويلزمه الوفاء.
ومن النفقة: الوليمة وهي ما يصنعه الزوج من الطعام أيام الزواج و يدعو الناس اليه و هي سنة مأمور بها لان النبي صلي الله عليه وسلم فعلها و أمر بها و لكن يجب في الوليمة أن يتجنب فيها الإسراف المحرم و ينبغي أن تكون بقدر حال الزوج.
أما ما يفعله بعض الناس من الإسراف فيها كمية و كيفية فانه لا ينبغي و يترتب عليه صرف أموال كثيرة بلا فائدة.
ص -40- ثالثا: الصلة بين الزوج وزوجته وبين أهليهما:
فقد جعل الله بين الزوج و زوجته مودة ورحمة وهذا الاتصال يوجب الحقوق المترتبة عليه عرفا فإنه كلما حصلت الصلة وجب من الحقوق بقدرها.
رابعا: المحرمية:
فإن الزوج يكون محرما لأمهات زوجته و جداتها و إن علون و يكون محرما لبناتها و بنات أبنائها و بنات بناتها و إن نزلن إذا كان دخل بأمهن الزوجة.
وكذلك الزوجة تكون من محارم أباء الزوج و إن علوا و أبنائه و إن نزلوا.
خامسا: الإرث:
فمتى عقد شخص على امرأة بنكاح صحيح فانه يجري التوارث بينهما لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إلي قوله: {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء 12]. ولا فرق بين أن يدخل ويخلو بها أم لا.
ص -41- الفصل التاسع: في حكم الطلاق وما يراعى فيه
الطلاق فراق الزوجة باللفظ ا الكتابة أو الإشارة.
والأصل في الطلاق أنه مكروه إذ أنه يحصل به تفويت مصالح النكاح السابقة، وتشتيت الأسرة، وفي الحديث: "ابغض الحلال عند الله الطلاق".
ولكن لما كان الطلاق لا بد منه أحيانا أما لتأذي المرأة ببقائها مع الرجل، أو لتأذي الرجل منها، أو لغير ذلك من المقاصد، كان من رحمة الله أن أباحه لعباده، ولم يحجر عليهم بالتضييق والمشقة.
فإذا كره الرجل زوجته ولم يتحمل الصبر فلا باس أن يطلقها، ولكن يجب أن يراعي ما يأتي:
1- ألا يطلقها وهي حائض:
فان طلقها وهي حائض فقد عصي الله ورسوله، وارتكب محرما، ويجب عليه حينئذ أن يراجع ويبقيها حتى تطهر، ثم يطلقها إن شاء، والأولي أن يتركها حتى تحيض المرة
ص -42- الثانية، فإذا طهرت فان شاء امسكها، وان شاء طلقها.
2- الا يطلقها في طهر جامعها فيه الا أن يتبين حملها:
فإذا هم رجل بطلاق امرأته، وقد جامعها بعد حيضتها، فإنه لا يطلقها حتى تحيض ثم تطهر، ولو طالت المدة، ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها. الا إذا تبين حملها، أو كانت حاملا، فلا بأس أن يطلقها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة.
3- ألا يطلقها أكثر من واحدة:
فلا يقول: أنت طالق طلقتين، أو أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فطلاق الثلاث محرم لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال في رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟" حتى
ص -43- قام رجل فقال: يا رسول الله، الا اقتله؟1
وإن كثير من الناس يجهلون أحكام الطلاق، فأي وقت طرأ عليهم الطلاق طلقوا من غير مبالاة بوقت أو عدد.
والواجب علي العبد أن يتقيد بحدود الله، ولا يتعداها. فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [ الطلاق:1] وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه النسائي، كتاب الطلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ رقم"3401".
ص -44- الفصل العاشر: فيما يترتب علي الطلاق
لما كان الطلاق فراق الزوجة، فانه يترتب علي هذا الفراق أحكام كثيرة منها:
1- وجوب العدة إذا كان الزوج قد دخل بزوجته أوخلا بها.
أما أن طلقها قبل أن يدخل بها ويخلو بها، فلا عدة له عليها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[ الأحزاب:49].
والعدة ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة اشهر إن لم تكن من ذوات الحيض، ووضع الحمل إن كانت حاملا.
2- تحريم الزوجة على الزوج إذا كان قد طلقها قبل ذلك الطلاق مرتين:
يعني: لو طلق زوجته ثم راجعها في العدة، أو تزوجها
ص -45- بعد العدة، ثم طلقها مرة ثانية وراجعها في العدة، أو تزوج بعدها، ثم طلقها المرة الثالثة، فإنها لا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ويجامعها فيه، ثم يرغب عنها ويطلقها، فإنها بعد ذلك تحل للأول، لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [ البقرة: 229]. إلي أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني المرة الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الثاني {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} يعني الزوج الأول وزوجته التي طلقها {أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [ البقرة: 230].
وإنما حرم الله المرأة علي من طلقها ثلاث مرات حتى تنكح زوجا غيره، لان الناس كانوا في أول الإسلام يطلقون ويراجعون بأي عدد كان، فغضب رجل علي امرأته فقال لها: والله لا أؤويك ولا أفارقك. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، فذكرت المرأة ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فانزل الله
ص -46- تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}. ووقت العدة ثلاث رحمة بالنساء من أزواجهن.
أيها الأخوة:
لعلنا أتينا بجمل كثيرة من أحكام النكاح، متحرين بذلك أن تكون بالقدر المناسب من غير تطويل ممل ولا تقصير مخل.. واسأل الله تعالى أن ينفع بها، وان يجعل العمل خالصا لله موافقا لمرضاة الله، وأن يجعل من هذه الأمة جيلا عالما بأحكام الله، حافظا لحدود الله، قائما بأمر الله، هاديا لعباد الله.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.. وصلي الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر في 26/5/1389هـ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نتوب اليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا عبده و رسوله صلي الله على اله وأصحابه و سلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإنني مسرور بما تيسر لي من المشاركة في الموسم الثقافي للمحاضرات في كليتي الشريعة و اللغة العربية بالقصيم1 لما ارجوه من الفائدة التي تحصل لي و لمن سمع محاضراتي أو قرأها إن شاء الله تعالى و اسأل الله تعالى أن يجعل عملنا جميعا خالصا لوجهه موافقا لمرضاته.
و لكنني أحب أن أقدم كلمة قبل الدخول في صميم المحاضرة تكون مناسبة – إن شاء الله – و هي أنكم تعرفون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كان ذلك في ليلة الثلاثاء 7/3/1398.
ص -4- أيها الاخوة.. و أيها المشايخ إن الإسلام في عصرنا هذا محارب من جهات متعددة.
1- من جهة الأفكار، من جهة الأخلاق، من جهة العقائد.
و أنه كلما شنت الغارات وقويت فانه يجب أن يكون لها مضاد يقابلها بل يكون اعلي منها فإذا لم يكن ذلك فان معناه القضاء على الإسلام.
وهذا أمر في أعناق أهل العلم و أهل الدين، يجب عليهم أن يبذلوا الجهد ما استطاعوا بان يمنعوا هذه التيارات التي جاءتنا من كل جانب و التي أصبح الإنسان فيها بل الحليم حيران لا يدري كيف يتصرف؟
ولقد كنا نسمع كثيرا إن أعداء المسلمين يقولون: انه يجب التركيز على – المملكة العربية السعودية – لكونها مهد الإسلام و قبلة المسلمين و قدوتهم، ولهذا تجدهم يشنون الغارات الشرسة و المكايد المحكمة و يكرسون جهودهم لحرب هذه المملكة و إذا لم يقم أهل هذه المملكة من
ص -5- علماء ومن مخلصين بإيصاد الباب أما هؤلاء و سوف يجوسون خلال الديار و سوف تجدون أمورا تنكرونها غاية الإنكار.
و الذي يجب علينا أمام هذه التيارات أيها الاخوة هو:
1- توحيد الدعوة
2-توحيد الجهد
3-الا نجعل بيننا مكانا لموطئ قدم من الأعداء
و لكني أقول بالحقيقة أننا نعمل على ذلك كل منا كأنما يعمل وحده لا نجد اثنين الا ما شاء الله على هدف واحد أو بعبارة اصح على طريق واحد و إن كان الهدف متحدا.
لذلك أرى أن من واجب علماء هذه المملكة سواء في الرياض أو في الحجاز أو في القصيم أو في غيرها من مناطق المملكة إن يجتمعوا على كلمة واحدة و أن يدرسوا الموضوع بجد لأنه خطير فيما أرى، يدرسوه دراسة
ص -6- وافية لا فيما يتصل بوسائل الإعلام و لا فيما يتصل بوسائل الثقافة و مناهج المدارس و مقرراتها و لا فيما يكون بين عامة الناس من الانحراف و الانصراف عن أصول دينهم و فروعه.
و نحن نجد كثيرا من طلاب العلم مشغولون بغير ما هم مكلفون به بطلب الدنيا و الإقبال عليها و الالتفاف حولها و هذا في الحقيقة يضعف دعوتهم إلي الخير، يضعف قبولها أمام العامة أيضا فان لسلوك العالم خطرا بالغا في تأثيره على من حوله فإذا كان العامة لا يجدون من أهل العلم الا التكالب على الدنيا كما يتكالب عليها السوقة من عامة الناس فإنهم لن يثقون أبدا بما عندهم من الإرشادات و العلوم.
كذلك أيها الاخوة بالنسبة لولاة الأمور يجب علينا مناصحتهم لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" ثلاثة مرات قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: "لله و لكتابه
ص -7- و لرسوله و لائمة المسلمين و عامتهم"1 .
فالواجب علينا مناصحة ولاة الأمور و الا نعتمد على رجل أو رجلين أو ثلاثة أو أربعة، يناصحون ولاة الأمور، فولاة الأمور إذا كثر ناصحوهم و عرفوا الحق من كل جانب و جاءتهم النصيحة من كل وجه فإنهم لا بد أن يلتفتوا إلي ذلك و أن يسلكوا المنهج الذي نسال الله تعالى أن يوفقهم له، وهو منهج النبي صلي الله عليه وسلم ظاهرا و باطنا.
كذلك بالنسبة للعامة نجد أكثر المساجد – مع الأسف – غالب أئمتها جهال ولا يرشدون و لا ينصحون لا يتكلمون و كان الناس قبل وقتنا الحاضر و قبل أن تفتح عليهم الدنيا، يأخذ إمامهم و أن لم يكن من طلبة العلم بعض الكتب المعتمدة، فيقرؤها على المصلين و ينتفعون بها، أما اليوم فغالب المساجد لا يقرا فيها شئ و لا يوجه الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون رقم 55.
ص -8- جماعته إلي ما ينفعهم و لهذا تجد عزوف العامة عن المسائل الدينية كثيرا جدا و هذا كله بتقصير من أهل العلم و بتقصير ممن يهمهم هذا الأمر، فعلينا أيها الاخوة إن نجتمع و أن نوحد جهودنا و أن نناصح ولاة أمورنا و أن نبذل الجهد في نصح عامة المسلمين في المساجد و الطرقات و غيرها ما استطعنا إلي ذلك سبيلا.
و شئ آخر مهم جدا وهو العزلة بين الشباب و الشيوخ هذه العزلة التي أصبح الشباب فيها حيران لا يهتدون سبيلا كل هذا في الحقيقة من تقصير كبار السن وعدم التفات بعضهم إلي الشباب مطلقا حتى إنهم لا يصغون لهم وان قالوا رشدا و هذا من الخطأ فالواجب علينا أن نكون مع هؤلاء الشباب وان ننظر ما هم عليه و أن نلاحظ ما حولهم مما يؤثر عليهم و ما السبب الذي أوجب لهم هذا العزوف و الانصراف عن الإقبال على دينهم ؟ حتى إذا عرفنا الداء أمكننا أن نقوم بإعطاء الدواء.
و أما كوننا إذا سمعنا ما لا ينبغي عن بعضهم أعرضنا عن
ص -9- الجميع ثم نبذناهم و جعلنا نسبهم في كل مكان و لا نبالي بشأنهم و ننظر إليهم بعين الاحتقار فهذا مما يوجب الشر العظيم من بعد الشباب عن الشيوخ و عن أهل العلم و الدين حتى تقودهم الشياطين إلي ما تريد.
فعلينا أيها الاخوة أن نراعي هذه المسالة الخطير وان نلقي لها بالا و نحسب لها حسابا.
و على المدرسين خصوصا: أن يجتهدوا في تثقيف الطلبة تثقيفا دينيا و أن يرغبوهم فيما جاء به النبي صلي الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وأن يبصروهم بالدين على حقيقته و أن يكشفوا لهم الأحكام الشرعية كشفا واضحا مع بيان أسرار الشريعة وحكمتها لأني أري أن التعليم و لا سيما الجامعي فيه بعض النقص و ذلك أن بعض المدرسين يلقي الدرس جافا أي إنهم "لا يبينون للطلبة دليل حكم المسالة و لا حكمته" و واقع المؤمن أن ينقاد إلي أمر الله و رسوله سواء علم الحكمة أم لا. قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
ص -10- [الأحزاب- 36] ولكنه إذا عرف الحكمة ازداد اطمئنانا و تطبيقا ورغبة في الشريعة و لهذا أحث إخواني المدرسين على أن يلقوا العلم إلي الطلبة دسما حيا محركا للقلوب مهذبا للنفوس ينشرح به الصدر و تطمئن اليه النفس.
و الآن ارجع إلي صميم المحاضرة:
لقد كان موضوع محاضرتي هذه"عقد النكاح و آثاره و ما يترتب عليه و غير ذلك من بعض ما يتعلق به".
و اخترت هذا الموضوع لأهميته و جهل كثير من الناس بكثير من أحكامه، ولما يتصل به من المشكلات الاجتماعية التي يتمنى كل مخلص و ناصح لدينه و أمته أن ييسر حلها، فان المشكلات كلما طرقت و ألقيت الأضواء عليها تيسر حلها و إذا تناساها الناس و أغمضوا عيونهم بقيت كما هي أو زادت غموضا و إشكالا.
وقد عقدت لهذا الموضوع عشرة فصول:
الفصل الاول: في معنى النكاح لغة وشرعا.
الفصل الثاني: في حكم النكاح.
ص -11- الفصل الثالث: في شروط النكاح.
الفصل الرابع: في أوصاف المرأة التي ينبغي نكاحها.
الفصل الخامس: في المحرمات في النكاح.
الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح.
الفصل السابع: في الحكمة من النكاح.
الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح و منها:
1- المهر. 2- النفقة. 3- الصلة بين الأصهار. 4- المحرمية. 5-الميراث
الفصل التاسع: في حكم الطلاق و ما يراعى فيه.
الفصل العاشر: فيما يترتب على الطلاق.
فنقول مستعينين بالله تعالي، مستهلين منه التوفيق والسداد راجين منه النفع للعباد.
ص -12- الفصل الأول: في معنى النكاح لغة و شرعا
النكاح في اللغة: يكون بمعنى عقد التزويج و يكون بمعنى وطء الزوجة قال أبو علي القالي: "فرقت العرب فرقا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع و الوطء".
ومعنى النكاح في الشرع: "تعاقد بين رجل و امرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم".
ومن هنا نأخذ انه لا يقصد بعقد النكاح مجرد الاستمتاع بل يقصد به مع ذلك معنى آخر هو (تكوين الأسرة الصالحة و المجتمعات السليمة) لكن قد يغلب احد القصدين على الآخر لاعتبارات معينة بحسب أحوال الشخص.
ص -13- الفصل الثاني في حكم النكاح:
النكاح باعتبار ذاته مشروع مؤكد في حق كل ذي شهوة قادر عليه. وهو من سنن المرسلين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد-38].
وقد تزوج النبي صلي الله عليه وسلم و قال: "إني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"1.
و لذلك قال العلماء: إن التزويج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة و الآثار الحميدة التي سنبين بعضها فيما بعد إن شاء الله.
و قد يكون النكاح واجبا في بعض الأحيان كما إذا كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح – رقم "5063" و مسلم في كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".
ص -14- الرجل قوي الشهوة ويخاف على نفسه من المحرم إن لم يتزوج فهنا يجب عليه أن يتزوج لاعفاف نفسه وكفها عن الحرام ويقول النبي صلي الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر و أحصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء"1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب من لم يستطع الباءة فليصم رقم "5066" ومسلم كتاب النكاح باب من استطاع منكم الباءة فليتزوج – رقم"1401".
ص -15- الفصل الثالث: في شروط النكاح
من حسن التنظيم الإسلامي ودقته في شرع الأحكام إن جعل للعقود شروطا بها و تتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ و الاستمرار فكل عقد من العقود له شروط لا يتم الا بها و هذا دليل واضح على أحكام الشريعة و إتقانها وأنها جاءت من لدن حكيم خبير يعلم ما يصلح للخلق و يشرع لهم ما يصلح به دينهم و دنياهم حتى لا تكون الأمور فوضى لا حدود لها و من بين تلك العقود عقد النكاح فعقد النكاح له شروط نذكر منها ما يأتي وهو أهمها:
1- رضا الزوجين: فلا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد و لا إجبار المرأة على نكاح من لا تريد.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً}"النساء:19". وقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستامر و لا تنكح البكر حتى تستأذن"، قالوا: يا
ص -16- رسول الله و كيف إذنها ؟ قال: "أن تسكت"1
فنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن تزويج المرأة بدون رضاها سواء أكانت بكرا أم ثيبا الا أن الثيت لا بد من نطقها بالرضا و أما البكر فيكفي في ذلك سكوتها لأنها تستحي من التصريح بالرضا.
و إذا امتنعت عن الزواج فلا يجوز أن يجبرها عليه احد و لو كان أباها، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "و البكر يستأذنها أبوها"2.
و لا أثم على الأب إذا لم يزوجها في هذه الحال لأنها هي التي امتنعت و لكن عليه أن يحافظ عليها و يصونها.
و إذا خطبها شخصان، وقالت: أريد هذا و قال وليها: تزوجي الآخر، زوجت بمن تريد هي إذا كان كفئا لها أما إذا كان غير كفء فلوليها أن يمنعها من زواجها به و لا إثم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب لا ينكح الأب و غيره البكر و الثيب الا برضاها رقم"5136" و مسلم كتاب نكاح باب استئذان الثيب في النكاح رقم" 1419".
2 رواه مسلم كتاب النكاح باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق و البكر بالسكوت رقم "1421".
ص -17- عليه في هذه الحال .
2. الولي فلا يصح النكاح بدون ولي،لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"1. فلو زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل ، سواء باشرت العقد بنفسها أم وكلت فيه.
والولي: هو البالغ العاقل الرشيد من عصباتها، مثل الأب، و الجد من قبل الأب، و الابن و ابن الابن و إن نزل و الأخ الشقيق و الأخ من الأب و العم الشقيق و العم من الأب و أبنائهم الأقرب فالأقرب.
ولا ولاية للأخوة من الأم و لا لأبنائهم و لا أبي الأم و الأخوال لأنهم غير عصبة.
و إذا كان لا بد في النكاح من الولي فانه يجب على الولي اختيار الأكفأ الأمثل إذا تعدد الخطاب فإن خطبها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود كتاب النكاح باب في الولي رقم "2085" و الترمذي، كتاب النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا بولي رقم "1101" و ابن ماجه كتاب النكاح باب لا نكاح إلا بولي رقم" 1881"
ص -18- واحد فقط وهو كفء و رضيت فانه يجب عليه أن يزوجها به وهنا نقف قليلا لنعرف مدى المسئولية الكبيرة التي يتحملها الولي بالنسبة إلي من ولاه الله عليها فهي أمانة عنده يجب عليه رعايتها ووضعها في محلها و لا يحل له احتكارها لأغراضه الشخصية أو تزويجها بغير كفئها من اجل طمع فيما يدفع اليه، فان هذا من الخيانة وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. وقال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:38]. و قال النبي صلي الله عليه وسلم: "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته"1.
وترى بعض الناس تخطب منه ابنته يخطبها كفء ثم يرده و يرد آخر و آخر و من كان كذلك فان ولايته تسقط و يزوجها غيره من الأولياء الأقرب فالأقرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} رقم "5188" و مسلم كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العادل رقم "1829".
ص -19- الفصل الرابع: في صفة المرأة التي ينبغي نكاحها
النكاح يراد للاستمتاع و تكوين أسرة صالحة و مجتمع سليم كما قلنا فيما سبق. و على هذا فالمراة التي ينبغي نكاحها هي التي يتحقق فيها استكمال هذين الغرضين و هي التي اتصفت بالجمال الحسي و المعنوي.
فالجمال الحسي: كمال الخلقة لان المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها و أصغت الإذن إلي منطقها فينفتح إليها القلب و ينشرح إليها الصدر و تسكن إليها النفس و يتحقق فيها قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم-21].
والجمال المعنوي: كمال الدين و الخلق فكلما كانت المرأة أدين و أكمل خلقا كانت أحب إلي النفس و اسلم عاقبة.
ص -20- فالمرأة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها و فراشه و أولاده و ماله، معينه له على طاعة الله تعالى، إن ذكرته و أن تثاقل نشطته و أن غضب أرضته.
و المرأة الأدبية تتودد إلي زوجها و تحترمه و لا تتأخر عن شئ يحب أن تتقدم فيه و لا تتقدم في شئ يحب أن تتأخر فيه و لقد سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر و تطيعه إذا أمر و لا تخالفه في نفسها و لا ماله بما يكره"1 وقال صلي الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأنبياء، أو قال: الأمم"2.
فان أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال المنظر و جمال الباطن فهذا هو الكمال و السعادة بتوفيق الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه احمد و النسائي كتاب النكاح باب أي النساء خير رقم "3231".
2 رواه أبو داود كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء رقم"2050" و النسائي كتاب النكاح باب كراهية تزويج العقيم رقم " 3227".
ص -21- الفصل الخامس: في المحرمات بالنكاح
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تتعدوها"1.
و من جملة الحدود الشرعية التي حد الله تعالى حدودها النكاح حلا و حرمة، حيث حرم على الرجل نكاح نساء معينة لقرابة أو رضاعة أو مصاهرة أو غير ذلك.
و المحرمات من النساء على قسمين:
قسم محرمات دائما و قسم محرمات إلي أجل.
1-محرمات دائما
و هن ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: المحرمات بالنسب: وهن سبع ذكرهن الله تعالى بقوله في سورة النساء: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدار قطني في سننه "4/184".
ص -22- وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23]
1- فالأمهات: يدخل فيهم: الأم، و الجدات سواء كن من جهة الأب أم من جهة الأم.
2- و البنات: يدخل فيهن: بنات الصلب و بنات الأبناء و بنات البنات وان نزلن.
3- و الأخوات: يدخل فيهن الأخوات الشقيقات و الأخوات من الأب و الأخوات من الأم
4- و العمات: يدخل فيهن: عمات الرجل و عمات أبيه و عمات أجداده و عمات أمه و عمات جداته.
5- و الخالات: يدخل فيهن: خالات الرجل و خالات أبيه وخالات أجداده و خالات أمه و خالات جداته.
6- و بنات الأخ: يدخل فيهن بنات الأخ الشقيق و بنات الأخ من الأب و بنات الأخ من الأم و بنات أبنائهم و بنات بناتهم وإن نزلن.
7-و بنات الأخت: يدخل فيهن: بنات الأخت الشقيقة و بنات الأخت من الأب و بنات الأخت من الأم و بنات
ص -23- أبنائهن و بنات بناتهن وإن نزلن.
الصنف الثاني: المحرمات بالرضاع: وهن نظير المحرمات بالنسب.
قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"1 و لكن الرضاع المحرم لا بد له من شروط منها:
الشرط الأول: أن يكون خمس رضعات فأكثر فلو رضع الطفل من المرأة أربع رضعات لم تكن أما له. لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما انزل من القران عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلي الله عليه وسلم و هي فيما يقرأ من القرآن"2
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه البخاري كتاب الشهادات باب الشهادة على الأنساب و الرضاعة رقم "2645، 2646" و مسلم كتاب الرضاع ما يحرم من الولادة رقم"1447، 1444".
2 رواه مسلم كتاب الرضاع باب التحريم بخمس رضعات رقم "1452".
ص -24- الشرط الثاني: أن يكون الرضاع قبل الفطام أي يشترط أن تكون الرضعات الخمس كلها قبل الفطام فان كانت بعد الفطام أو بعضها قبل الفطام و بعضها بعد الفطام لم تكن المرأة أما له.
و إذا تمت شروط الرضاع صار الطفل ولدا للمرأة و أولادها أخوة له سواء كانوا قبله أو بعده و صار أولاد صاحب اللبن أخوة له أيضا سواء كانوا من المرأة التي أرضعت الطفل أم من غيرها.
وهنا يجب أن نعرف بأن أقارب الطفل المرضع سوى ذريته لا علاقة لهم بالرضاع ولا يؤثر فيهم الرضاع شيئا فيجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أمه من الرضاع أو أخته من الرضاع.
أما ذرية الطفل فإنهم يكونون أولادا للمرضعة و صاحب اللبن كما كان أبوهم من الرضاع كذلك.
الصنف الثالث: المحرمات بالصهر:
زوجات الآباء و الأجداد و إن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ
ص -25- آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} "النساء: 22" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبنائه و أبناء أبنائه و أبناء بناته و إن نزلوا سواء دخل بها أم لم يدخل بها.
1- زوجات الأبناء وان نزلوا،لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء-23] فمتى عقد الرجل على امرأة صارت حراما على أبيه و أجداده و إن علوا سواء من قبل الأب أم من قبل الأم بمجرد العقد عليها و إن لم يدخل بها.
2- أم الزوجة وجدتها و إن علون، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}"النساء: 23" فمتى عقد الرجل على امرأة صارت أمها و جدتها حراما عليه بمجرد العقد و إن لم يدخل بها سواء كن جدتها من قبل الأب أم من قبل الأم.
3- بنات الزوجة، و بنات أبنائها و بنات بناتها وان نزلن وهن الربائب و فروعهن لكن بشرط أن يطأ الزوجة فلو حصل الفراق قبل الوطء لم تحرم الربائب و فروعهن، لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي
ص -26- حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] فمتى تزوج الرجل امرأة ووطئها صارت بناتها و بنات أبنائها و بنات بناتها و إن نزلن حراما عليه سواء كن من زوج قبله أم من زوج بعده أما إن حصل الفراق بينهما قبل الوطء فان الربائب و فروعهن لا يحرمن عليه.
2- المحرمات إلي أجل
وأما المحرمات إلي أجل فمنهن:
1- أخت الزوجة و عمتها و خالتها حتى يفارق الزوجة فرقة موت أو فرقة حياة و تنقضي عدتها لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}: [النساء- 23] و قول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يجمع بين المرأة و عمتها و لا بين المرأة و خالتها"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه البخاري كتاب النكاح باب لا تنكح المرأة على عمتها رقم"5109" و مسلم كتاب النكاح باب تحريم الجمع بين المرأة و عمتها رقم "1408"
ص -27- [متفق عليه].
2- متعددة الغير: أي إذا كانت المرأة في عدة لغيره فإنه لا يجوز له نكاحها حتى تنتهي عدتها و كذلك لا يجوز له أن يخطبها إذا كانت في العدة حتى تنتهي عدتها.
3- المحرمة بحج أو عمرة: لا يجوز عقد النكاح عليها حتى تحل من إحرامها. وهناك محرمات أخرى تركنا الكلام فيهن خوفا من التطويل.
و أما الحيض: فلا يوجب تحريم العقد على المرأة فيعقد عليها وان كانت حائضا لكن لا توطأ حتى تطهر و تغتسل.
ص -28- الفصل السادس: في العدد المباح في النكاح
لما كان إطلاق العنان للشخص في تزويج ما شاء من العدد أمرا يؤدي إلي الفوضى و الظلم و عدم القدرة على القيام بحقوق الزوجات و كان حصر الرجل على زوجة واحدة قد يفضي إلي الشر و قضاء الشهوة بطريقة أخرى محرمة أباح الشارع للناس التعدد إلي أربعة فقط لأنه العدد الذي يتمكن به الرجل من تحقيق العدل و القيام بحق الزوجة و يسد حاجته إن احتاج إلي أكثر من واحدة.
قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3].
و في عهد النبي صلي الله عليه وسلم اسلم غيلان الثقفي و عنده عشرة نساء فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا و يفارق البواقي، وقال قيس بن الحارث: أسلمت و عندي ثمانية نسوة فأتيت النبي
ص -29- صلي الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: "اختر منهن أربعا"1.
وتعدد النساء إلى هذا الحد له فوائد منها
1- أنه قد يكون ضروريا في بعض الأحيان مثل: أن تكون الزوجة كبيرة السن أو مريضة لو اقتصر عليها لم يكن له منها عفاف و تكون ذات أولاد منه فان امسكها خاف على نفسه المشقة بترك النكاح أو ربما يخاف الزنا وإن طلقها فرق بينها وبين أولادها فلا تزول هذه المشكلة الا بحل التعدد.
2- إن النكاح سبب للصلة و الارتباط بين الناس و قد جعله الله تعالى قسيما للنسب فقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} [ الفرقان-54] فتعدد الزوجات يربط بين اسر كثيرة و يصل بعضهم ببعض وهذا أحد الأسباب التي حملت النبي صلي الله عليه وسلم أن يتزوج بعدد من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود كتاب الطلاق باب فيمن اسلم و عنده نساء أكثر من أربع رقم " 2241"
ص -30- النساء.
3- يترتب عليه صون عدد كبير من النساء و القيام بحاجتهن من النفقة والمسكن وكثرة الأولاد والنسل و هذا أمر مطلوب للشارع.
4- من الرجال من يكون حاد الشهوة لا تكفيه الواحدة و هي تقي نزيه و يخاف الزنا ولكن يريد أن يقضي وطرا في التمتع الحلال فكان من رحمة الله تعالى بالخلق أن أباح لهم التعدد على وجه سليم.
ص -31- الفصل السابع - في حكمة النكاح
قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسالة يجب علينا أن نعلم علما يقينا بان الأحكام الشرعية كلها حكم و كلها في موضعها وليس فيها شئ من العبث و السفه ذلك لأنها من لدن حكيم خبير.
و لكم هل الحكم كلها للخلق؟ إن الآدمي محدود في علمه وتفكيره وعقله فلا يمكن أن يعلم كل شئ و لا أن يلهم معرفة كل شئ قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء-85].
إذن: فالأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده يجب علينا الرضا بها سواء علمنا حكمتها أم لم نعلم لأننا إذا لم نعلم حكمتها فليس معناه أنه لا حكمة فيها في الواقع إنما معناه قصور عقولنا و إفهامنا عن إدراك الحكمة.
أما الحكمة في النكاح فكثيرة منها:
1-حفظ كل من الزوجين و صيانته قال النبي صلي الله عليه وسلم: "يا
ص -32- معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج"1
2-حفظ المجتمع من الشر و تحلل الأخلاق فلولا النكاح لانتشرت الرذائل بين الرجال و النساء.
3-استمتاع كل من الزوجين بالآخر بما يجب له من حقوق و عشرة فالرجل يكفل المرأة و يقوم بنفقاتها من طعام و شراب و مسكن و لباس بالمعروف قال النبي صلي الله عليه وسلم: "و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف"2. و المرأة تكفل الرجل أيضا بالقيام بما يلزمها في البيت من رعاية و إصلاح قال النبي صلي الله عليه وسلم: "... و المرأة راعية في بيت زوجها و مسئولة عن رعيتها"3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ص 14.
2 رواه احمد "5/73" وأبو داود كتاب المناسك باب صفة حجة النبي صلي الله عليه وسلم رقم"1905" وابن ماجه كتاب المناسك باب حجة رسول الله صلي الله عليه وسلم رقم(3074).
3 سبق تخريجه ص 18.
ص -33- 4- أحكام الصلة بين الأسر و القبائل فكم من أسرتين متباعدتين لا تعرف إحداهما الأخرى و بالزواج يحصل التقارب بينهما و الاتصال و لهذا جعل الله الصهر قسيما للنسب كما تقدم.
5- بقاء النوع الإنساني على وجه سليم فان كان النكاح سبب للنسل الذي به بقاء الإنسان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء-1].
ولو لا النكاح للزم احد أمرين أما:
1- فناء الإنسان.
2- أو وجود إنسان ناشئ من سفاح لا يعرف له أصل ولا يقوم على أخلاق.
ويطيب لي أن أستطرد هنا قليلا لحكم تحديد النسل.
فأقول: تحديد النسل بعدد معين خلاف مطلوب الشارع فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بتزويج المرأة الولود أي كثيرة
ص -34- الولادة وعلل ذلك بأنه مكاثر بنا الأمم أو الأنبياء. وقال أهل الفقه: ينبغي أن يتزوج المرأة المعروفة بكثرة الولادة أما بنفسها إن كانت تزوجت من قبل و عرفت بكثرة الولادة أو بأقاربها كأمها و أختها إذا كانت لم تتزوج من قبل.
ثم ما الداعي لتحديد النسل؟
هل هو الخوف من ضيق الرزق أو الخوف من تعب التربية ؟
إن كان الأول فهذا سوء ظن بالله تعالى لان الله سبحانه وتعالى إذا خلق خلقا فلا بد أن يرزقه. قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود-6] وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} "العنكبوت 60" وقال تعالى في الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر: {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء 31].
وإن كان الداعي لتحديد النسل هو الخوف من تعب التربية فهذا خطأ فكم من عدد قليل من الأولاد اتعبوا أتعابا كبيرا في التربية و كم من عدد سهلت تربيتهم بأكثر
ص -35- ممن وهم دونهم بكثير. فالمدار في التربية صعوبة و سهولة على تيسير الله تعالى و كلما اتقى العبد ربه و تمشى على الطرق الشرعية سهل الله أمره قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} "الطلاق 4".
وإذا تبين أن تحديد النسل خلاف المشروع فهل تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من ذلك؟
الجواب: لا ليس تنظيم النسل على الوجه الملائم لحال الأم من تحديد النسل في شئ و اعني بتنظيم النسل أن يستعمل الزوجان أو احدهما طريقة تمنع من الحمل في وقت دون وقت فهذا جائز إذا رضي به من الزوج و الزوجة مثل: أن تكون الزوجة ضعيفة و الحمل يزيد ها ضعفا أو مرضا وهي كثيرة الحمل فتستعمل برضا الزوج هذه الحبوب التي تمنع من الحمل مدة معينة فلا باس بذلك وقد كان الصحابة يعزلون في عهد النبي صلي الله عليه وسلم و لم ينهوا عن ذلك و العزل من أسباب امتناع الحمل من هذا الوطء.
ص -36- الفصل الثامن: في الآثار المترتبة على النكاح
يترتب على النكاح آثار كثيرة منها ما يلي:
أولا: وجوب المهر:
والمهر: هو الصداق المسمى باللغة العامة جهازا- فالمهر ثابت للمرأة بالنكاح سواء شرط أم سكت عنه وهو المال المدفوع للزوجة بسبب عقد النكاح فإن كان معينا فهو ما عين سواء كان قليلا أم كثيرا و إن كان غير معين بإن عقد عليها ولم يدفع جهازا ولم يسموا شيئا فعلى الزوج أن يدفع إليها مهر الثمن وهو ما جرت العادة أن يدفع لمثلها.
وكما يكون المهر مالا أي عينا يكون كذلك منفعة فلقد "زوج النبي صلي الله عليه وسلم امرأة برجل على أن يعلمها شيئا من القرآن"1.
والمشروع في المهر أن يكون قليلا فكلما قل وتيسر فهو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري كتاب النكاح باب تزويج المعسر رقم" 5087" و مسلم كتاب النكاح باب الصداق و جواز كونه تعليم قرآن رقم "1425"
ص -37- أفضل إقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم و تحصيلا للبركة فان أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة و روى مسلم في صحيحه أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: أني تزوجت امرأة.قال: "كم أصدقتها؟" قال: أربع أواق يعني مائة و ستين درهما فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك و لكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه"1.
وقال عمر رضي الله عنه: "لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلي الله عليه وسلم، ما أصدق النبي صلي الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، و الأوقية أربعون درهما".
ولقد كان تصاعد المهور في هذه السنين له أثره السيئ في منع كثير من الناس من النكاح رجالا ونساء و صار الرجل يمضي السنوات الكثيرة قبل أن يحصل المهر، فنتج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم متاب النكاح باب ندب النظر إلي المرأة رقم "1424".
ص -38- عن ذلك مفاسد منها:
1-تعطل كثير من الرجال و النساء عن النكاح.
2- أن أهل المرأة صاروا ينظرون إلي المهر قلة وكثرة فالمهر عند كثير منهم هو ما يستفيدونه من الرجل لامرأته فإذا كان كثيرا زوجوا ولم ينظروا للعواقب و إن كان قليلا ردوا الزوج و إن كان مرضيا في دينه و خلقه.
3- انه إذا ساءت العلاقة بين الزوج و الزوجة و كان المهر بهذا القدر الباهظ فانه لا تسمح نفسه غالبا بمفارقتها بإحسان بل يؤذيها و يتعبها لعلها ترد شيئا مما دفع إليها ولو كان المهر قليلا لهان عليه فراقها.
ولو أن الناس اقتصدوا في المهر و تعاونوا في ذلك و بدا الأعيان بتنفيذ هذا الأمر لحصل للمجتمع خير كثير و راحة كبيرة و تحصين كثير من الرجال والنساء.
ولكن مع الأسف أن الناس صاروا يتبارون في السبق إلي تصاعد المهور وزيادتها فكل سنة يضيفون أشياء لم تكن معروفة من قبل ولا ندري إلي أي غاية ينتهون؟
ص -39- ولقد كان بعض الناس وخصوصا البادية يسلكون مسلكا فيه بعض السهولة وهو تأجيل شئ من المهر مثل: أن يزوجه بمهر قدره كذا نصفه حال و نصفه مؤجل إلي سنة أو اقل أو أكثر و هذا يخفف عن الزوج بعض التخفيف.
ثانيا: النفقة:
فعلى الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف طعاما وشرابا و كسوة و سكني فان بخل بشئ من الواجب فهو آثم و لها أن تأخذ من ماله بقدر كفايتها أو تستدين عليه ويلزمه الوفاء.
ومن النفقة: الوليمة وهي ما يصنعه الزوج من الطعام أيام الزواج و يدعو الناس اليه و هي سنة مأمور بها لان النبي صلي الله عليه وسلم فعلها و أمر بها و لكن يجب في الوليمة أن يتجنب فيها الإسراف المحرم و ينبغي أن تكون بقدر حال الزوج.
أما ما يفعله بعض الناس من الإسراف فيها كمية و كيفية فانه لا ينبغي و يترتب عليه صرف أموال كثيرة بلا فائدة.
ص -40- ثالثا: الصلة بين الزوج وزوجته وبين أهليهما:
فقد جعل الله بين الزوج و زوجته مودة ورحمة وهذا الاتصال يوجب الحقوق المترتبة عليه عرفا فإنه كلما حصلت الصلة وجب من الحقوق بقدرها.
رابعا: المحرمية:
فإن الزوج يكون محرما لأمهات زوجته و جداتها و إن علون و يكون محرما لبناتها و بنات أبنائها و بنات بناتها و إن نزلن إذا كان دخل بأمهن الزوجة.
وكذلك الزوجة تكون من محارم أباء الزوج و إن علوا و أبنائه و إن نزلوا.
خامسا: الإرث:
فمتى عقد شخص على امرأة بنكاح صحيح فانه يجري التوارث بينهما لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} إلي قوله: {تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء 12]. ولا فرق بين أن يدخل ويخلو بها أم لا.
ص -41- الفصل التاسع: في حكم الطلاق وما يراعى فيه
الطلاق فراق الزوجة باللفظ ا الكتابة أو الإشارة.
والأصل في الطلاق أنه مكروه إذ أنه يحصل به تفويت مصالح النكاح السابقة، وتشتيت الأسرة، وفي الحديث: "ابغض الحلال عند الله الطلاق".
ولكن لما كان الطلاق لا بد منه أحيانا أما لتأذي المرأة ببقائها مع الرجل، أو لتأذي الرجل منها، أو لغير ذلك من المقاصد، كان من رحمة الله أن أباحه لعباده، ولم يحجر عليهم بالتضييق والمشقة.
فإذا كره الرجل زوجته ولم يتحمل الصبر فلا باس أن يطلقها، ولكن يجب أن يراعي ما يأتي:
1- ألا يطلقها وهي حائض:
فان طلقها وهي حائض فقد عصي الله ورسوله، وارتكب محرما، ويجب عليه حينئذ أن يراجع ويبقيها حتى تطهر، ثم يطلقها إن شاء، والأولي أن يتركها حتى تحيض المرة
ص -42- الثانية، فإذا طهرت فان شاء امسكها، وان شاء طلقها.
2- الا يطلقها في طهر جامعها فيه الا أن يتبين حملها:
فإذا هم رجل بطلاق امرأته، وقد جامعها بعد حيضتها، فإنه لا يطلقها حتى تحيض ثم تطهر، ولو طالت المدة، ثم إن شاء طلقها قبل أن يمسها. الا إذا تبين حملها، أو كانت حاملا، فلا بأس أن يطلقها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة.
3- ألا يطلقها أكثر من واحدة:
فلا يقول: أنت طالق طلقتين، أو أنت طالق ثلاثا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فطلاق الثلاث محرم لما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال في رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟" حتى
ص -43- قام رجل فقال: يا رسول الله، الا اقتله؟1
وإن كثير من الناس يجهلون أحكام الطلاق، فأي وقت طرأ عليهم الطلاق طلقوا من غير مبالاة بوقت أو عدد.
والواجب علي العبد أن يتقيد بحدود الله، ولا يتعداها. فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [ الطلاق:1] وقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه النسائي، كتاب الطلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ رقم"3401".
ص -44- الفصل العاشر: فيما يترتب علي الطلاق
لما كان الطلاق فراق الزوجة، فانه يترتب علي هذا الفراق أحكام كثيرة منها:
1- وجوب العدة إذا كان الزوج قد دخل بزوجته أوخلا بها.
أما أن طلقها قبل أن يدخل بها ويخلو بها، فلا عدة له عليها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[ الأحزاب:49].
والعدة ثلاث حيض إن كانت من ذوات الحيض، وثلاثة اشهر إن لم تكن من ذوات الحيض، ووضع الحمل إن كانت حاملا.
2- تحريم الزوجة على الزوج إذا كان قد طلقها قبل ذلك الطلاق مرتين:
يعني: لو طلق زوجته ثم راجعها في العدة، أو تزوجها
ص -45- بعد العدة، ثم طلقها مرة ثانية وراجعها في العدة، أو تزوج بعدها، ثم طلقها المرة الثالثة، فإنها لا تحل له بعد ذلك حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا، ويجامعها فيه، ثم يرغب عنها ويطلقها، فإنها بعد ذلك تحل للأول، لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [ البقرة: 229]. إلي أن قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني المرة الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الثاني {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} يعني الزوج الأول وزوجته التي طلقها {أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [ البقرة: 230].
وإنما حرم الله المرأة علي من طلقها ثلاث مرات حتى تنكح زوجا غيره، لان الناس كانوا في أول الإسلام يطلقون ويراجعون بأي عدد كان، فغضب رجل علي امرأته فقال لها: والله لا أؤويك ولا أفارقك. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك، فذكرت المرأة ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فانزل الله
ص -46- تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}. ووقت العدة ثلاث رحمة بالنساء من أزواجهن.
أيها الأخوة:
لعلنا أتينا بجمل كثيرة من أحكام النكاح، متحرين بذلك أن تكون بالقدر المناسب من غير تطويل ممل ولا تقصير مخل.. واسأل الله تعالى أن ينفع بها، وان يجعل العمل خالصا لله موافقا لمرضاة الله، وأن يجعل من هذه الأمة جيلا عالما بأحكام الله، حافظا لحدود الله، قائما بأمر الله، هاديا لعباد الله.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.. وصلي الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر في 26/5/1389هـ